xmlns:v="urn:schemas-microsoft-com:vml" xmlns:o="urn:schemas-microsoft-com:office:office" xmlns="http://www.w3.org/TR/REC-html40"> الدروس والعبر المستفادة من مأساة سقوط بغداد عاصمة الخلافة

                                                     

الجمعية الشرعية لكفالة الطفل اليتيم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا وكافل اليتيم فى الجنه كهاتين وأشار بالسبابه والوسطى" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

الاسلام هو الحل


ركن النصيحة

ركن الذكرى

ركن الاسرة

ركن السلوك

ركن الدعوة

ركن العبادات

ركن العقائد

ركن الفتوى

ركن العبر والعظات

ركن المعاملات

لقاء الاحبة

الاربعون النووية

اصدقاء الموقع

إذاعة القرآن الكريم

قالوا وقلنا

اعلن عن موقعك معنا

مواقع تهمك

الاستاذ عمروخالد
جريدة افاق عربية
دليل وفاتورة التليفون
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ركن الدعوة

 

الدروس والعبر المستفادة من مأساة سقوط بغداد عاصمة الخلافة

التفرق والاختلاف

نبذ الهوى

احذروا الحالقة التي تحلق الدين

الحذر من الاختراق

الحذر من العمل أو القتال تحت راية عُمِّـيَّـة

من تولى عن حكم الله ورسوله تولى الله عنه

توحيد مصدر التلقي وكيفية التلقي لهذا الدين

تصحيح العقيدة ونبذ الممارسات الشركية

التحاكم إلى شرع الله ونبذ القوانين الوضعية

ترك الذنوب والآثام

احذروا الظلم

 

الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وصلى الله وسلم على محمد القائل: "المؤمن أمرُه كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس هذا إلا للمؤمن".

ما أكثر الدروس وما أجل العبر في حياة المسلم، وما أقل المعتبرين والمدَّكرين، ويا أسفا على الغفلة والغافلين، وما أصدق قول القائل:

  ما مرَّ يوم على حي ولا ابتكرا               إلا رأى عبرة فيه إن اعتبرا

الطوام العظام، والمآسي الجسام التي حلت بالمسلمين قديماً وحديثاً لا تنقضي، وما من طامة إلا والتي تليها أكبر منها، ومن أمثلة تلك الطوام التي لا تنسى، والمآسي التي تدع الحليم حيران، سقوط بغداد على أيدي التتار الأقدمين، وسقوط الأندلس، والخلافة الإسلامية، وضياع فلسطين على أيدي الصهاينة والصليبيين، وسقوط بغداد الثاني على أيدي التتار المُحْدَثين.

وعلى الرغم من اختلاف الأزمنة، والأهداف، والأدوار، والمنفذين، إلا أن الغرض واحد، وهو ضرب الإسلام ومحاولة القضاء عليه، وسبب تداعي هذه الأمم الكافرة على الإسلام وإلى يوم القيامة واحد كذلك، وهو ما أخبر به رسول الهدى وأرشد إليه بقوله: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها؛ قلنا: يا رسول الله، أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، تنزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن؛ قالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".

وبقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم".

وبقوله كذلك: "يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤنة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، فلولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم".

وقال فيما رواه عنه ابن عباس رضي الله عنهما: "خمس بخمس: ما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القطر".

وقد صدق القائل:

     بذا قضى الله بين الخلق مذ خلقوا             إن المخاوف والإجرام في قرن

وكذلك العظات والعبر والدروس المستفادة سواء.

ومن العجيب الغريب أن ينتبه ويتفطن بعض عقلاء الكفار لهذه الدروس ويستفيدوا منها، ويغفل عنها أهلها الذين خوطبوا بها.

استمع إلى ما حكاه الإمام ابن قتيبة الدينوري رحمه الله في كتابه "تأويل مختلف الحديث": (حدثني رجل من أصحاب الأخبار أن المنصور العباسي سمر ذات ليلة، فذكر خلفاء بني أمية وسيرتهم، وأنهم لم يزالوا على استقامة حتى أفضى أمرهم إلى أبنائهم المترفين، فكان همهم من عظيم شأن الملك وجلالة قدره قصد الشهوات، وإيثار اللذات، والدخول في معاصي الله عز وجل ومساخطه، جهلاً منهم باستدراج الله تعالى، وأمناً من مكره تعالى، فسلبهم الله تعالى الملك والعز، ونقل عنهم النعمـة، فقـال له صالح بن علي: يا أمير المؤمنين، إن عبيد الله بن مروان دخل أرض النوبة هارباً فيمن اتبعه، سأل ملك النوبة عنهم فأخبر، فركب إلى عبيد الله، فكلمه بكلام عجيب في هذا النحو لا أحفظه وأزعجه عن بلده، فإن رأى أمير المؤمنين أن يدعو به من الحبس بحضرتنا في هذه الليلة، ويسأله عن ذلك؛ فأمر المنصور بإحضاره وسأله عن القصة.

فقال: يا أمير المؤمنين، قدمت أرض النوبة بأثاث سلم لي فافترشته بها، وأقمت ثلاثاً، فأتاني ملك النوبة، وقد خبر أمرنا، فدخل عليَّ رجل طوال، أقنى، حسن الوجه، فقعد على الأرض ولم يقرب الثياب، فقلت: ما يمنعك أن تقعد على ثيابنا؟! فقال: إني مَلِك، وحق على كل مَلِك أن يتواضع لعظمة الله عز وجل إذ رفعه الله؛ ثم أقبل عليَّ فقال لي: لِمَ تشربون الخمور وهي محرمة عليكم في كتابكم؟ فقلت: اجترأ على ذلك عبيدنا وسفهاؤنا؛ قال: فلِمَ تطؤون الزرع بدوابكم والفساد محرم عليكم في كتابكم؟ قلت: يفعل ذلك جهالنا؛ قال: فلم تلبسون الديباج والحرير، وتستعملون الذهب والفضة، وهو محرم عليكم؟ فقلت: زال عنا الملك، وقل أنصارنا، فانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا؛ فاطرق ملياً، وجعل يقلب يده وينكت في الأرض، ثم قال: ليس ذلك كما ذكرت، بل أنتم  قوم استحللتم ما حرم عليكم، وركبتم ما عنه نهيتم، وظلمتم فيما ملكتم، فسلبكم الله تعالى العز وألبسكم الذل بذنوبكم، ولله تعالى فيكم نقمة لم تبلغ نهايتها، وأخاف أن يحل العذاب وأنتم ببلدي فيصيبني معكم، وإنما الضيافة ثلاث، فتزودوا ما احتجتم إليه، وارتحلوا عن بلدي؛ ففعلتُ ذلك).

هذه الحكاية غنية عن التعليق، وكافية لمن ألقى السمع وهو شهيد؛ العظات، والعبر، والدروس من هذه الطامة ومن غيرها كثير، وسنشير إلى أخطرها، فنقول:

أولاً: التفرق والاختلاف

من الدروس العظيمة والعبر الخطيرة التي يمكن أن يعقلها العاقلون، ويستفيد منها المستفيدون، خطورة التفرق والاختلاف الذي أصاب هذه الأمة، وكان سبباً لكل النكبات التي حلت بالمسلمين قديمأً وحديثاً، وعظمت به البلوى واشتد به الكرب في هذا العصر خاصة، حيث أضحى المسلمون شيعاً وأحزاباً، كل حزب بما لديهم فرحون، على الرغم من تحذير الله ورسوله لهم عن ذلك، فقال عز من قائل: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"، وقال: "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء".

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حَذْو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة؛ قال: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي".

لقد أفلح الكفار في انتهاج سياسة "فرِّق تسد" بين المسلمين، بعد أن قسموا الدولة الإسلامية إلى دويلات صغيرة بحدود وهمية، ولم يخرج المستعمر من ديار الإسلام إلا بعد أن زرع قنابل موقوتة تفجرت بعد خروجهم بين الإخوة والجيران، ولا تزال تتفجر.

فعلى المسلمين أن يجمعوا بين صفوفهم، وأن ينبذوا أسباب الفرقة والخلاف ليكونوا عباد الله إخواناً، فالفرقة شر، والخلاف شر، ولولا اختلاف المسلمين وتفرقهم لما استطاع الكفار أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه، ولله در القائل:

      تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً               وإذا افترقن تكسرت آحاداً

وليس لهم مجال إلى الاجتماع والائتلاف إلا بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله، ونبذ الهوى، وهو:

ثانياً: نبذ الهوى

من الأسباب الرئيسة لهذا التفرق، والتشتت، والتناحر اتباع الهوى وحب الدنيا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، وهذا هو المانع للناس عند التنازع من رد الأمر إلى الله ورسوله كما أمرنا ربنا: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً".

هذه الأدواء الثلاثة إذا حلت بالأمة لم يُجدِ فيها أمر ولا نهي، ولم تنفعها نصيحة، كما أخبر الصادق المصدوق: "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام"، واتباع الهوى مانع لاتباع الحق: "أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً".

واتباع الهوى، وحب الدنيا، والإعجاب بالرأي، والاغترار بذلك، بجانب أنه مصدر الخلاف في هذه الأمة فهو سبب للتباغض، والتحاسد، والتدابر، والتقاطع، وهو الدرس الآتي:

ثالثاً: احذروا الحالقة التي تحلق الدين

التفرق، والتشتت، وانعدام الثقة، أفرز في الأمة أمراضاً خطيرة من أمراض الأمم السابقة التي لم تكن معروفة في سلفنا الصالح، وبهذا أخبر الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء، هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشَعَر، والذي نفس محمد بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".

إذا لم تتخلص الأمة من هذه الأدواء فلا سبيل إلى عزها ونصرها، وأنى يأتي النصر مع التفرق، والتشتت، والتحاسد، والتباغض، والتدابر؟

رابعاً: الحذر من الاختراق

هذه وسيلة من وسائل الكفار والمنافقين القديمة الحديثة، إذ لم يزل الكفار والمنافقون يمارسونها ويتفتنون فيها بعد أن ذاقوا ثمارها، فهي تمكنهم من الوصول إلى أغراضهم بأقل الخسائر، وأقصر الطرق، وليس ما حدث يوم الأربعاء المشؤوم في بغداد عنا ببعيد، حيث انقلبت الموازين، واختلت الأمور، ودخل الصلييون عاصمة الخلافة بغداد في سهولة ويسر لم يكن يتصوره إنسان، كل ذلك بسبب الغدر والخيانة، والاختراق المبكر لضعاف النفوس وأراذل القوم، الذين باعوا آخرتهم إن كانت لهم آخرة بدنيا غيرهم، وسلموا عاصمة الخلافة الإسلامية في عهدها الزاهر لقمة سائغة لأعداء الملة والدين، فازدادوا كفراً على كفرهم، بتوليهم للكفار، وعونهم لهم، كيف يمكن للأمة الإسلامية أن تأمن الاختراق في هذا العصر الذي ضعف فيه المسلمون واستأسد فيه الكفار والمنافقون، وقد حاولوا اختراق عمال عمر رضي الله عنه؟

سأل عمر رضي الله عنه حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين: "ناشدتك بالله هل سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم؟ قال حذيفة: لا؛ ثم قال له: ناشدتك بالله، هل في عمالي أحد منهم؟ قال: نعم؛ ولكنه أبى أن يسميه له؛ فعزله عمر كأنما دلّ عليه، وذلك لأنه كان ذا فِرَاسة صادقة، وبصيرة نافذة، ورأي سديد.

فالحذر الحذر من الاختراق، والحرص الحرص على الحيطة.

خامساً: الحذر من العمل أو القتال تحت راية عُمِّـيَّـة

من الدروس المهمة، والعظات الواجب أخذها من هذه المأساة، الحذر كل الحذر من العمل تحت راية عُمِّـيَّة، وأخطر من ذلك القتال تحت رايةعُمِّـيَّة، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

خرَّج الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، ثم مات، مات ميتة جاهلية، ومن قتل تحت راية عُمِّـيَّة، يغضب للعصبية، ويقاتل للعصبية، فليس من أمتي، ومن خرج من أمتي على أمتي، يضرب برَّها وفاجرها، لا يتحاش من مؤمنها، ولا يتقي بذي عهدها، فليس مني".

وما رأينا وسمعنا من خذلان وتنكر أصحاب الرايات العُمِّـيَّة لإخوانهم الصادقين، الذين جاءوا لنصرتهم في بغداد ولصد العدوان عنهم، من فعال يندي لها الجبين، وليت أصحاب هذه الرايات العُمِّـيَّة قاتلوا حمية وعصبية، لأنه يمكن نصر هذا الدين بالرجل الفاجر، ولكنهم آثروا الآجلة على الآخرة، وحجبوا السلاح عن المجاهدين الصادقين، وضللوهم، وتجسسوا عليهم لصالح إخوانهم من الكفار الغازين، مما جعلهم وسط نارين.

لهذا فإنه يجب على الصادقين المخلصين الذين يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى أن يحذروا القتال مع أصحاب الرايات العُمِّـيَّة.

سادساً: من تولى عن حكم الله ورسوله تولى الله عنه

من أسباب الخذلان الرئيسة في جميع النكبات والمآسي التي حلت بالمسلمين قديماً وحديثاً تولي المسلمين عن حكم الله ورسوله، وعدم نصرهم لله، ومن تولى عن الله وخذل دينه هيهات أن يعينه الله، بل يتركه الله أذل وأحقر ما يكون، قال تعالى: "إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده"، وقال: "إن الذين يحادُّون الله ورسوله أولئك في الأذلين".

لذا يجب على المسلمين أن يتعظوا ويفيقوا من سباتهم، ويراجعوا حالهم، ويحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا، عليهم أن يتهموا أنفسهم في اعتقادهم، وفي عبادتهم، وفي سلوكهم، وفي معاملتهم لإخوانهم المسلمين، وفي تقصيرهم نحو الكفار أمة الدعوة في ترك جهادهم لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

وإذا أرادوا العز ، والخروج من هذه النكبات والكوارث والمصائب والملمات، والنصر على الأعداء، فعليهم بالآتي:

(‌أ)  توحيد مصدر التلقي وكيفية التلقي لهذا الدين

من المسلمات في هذا الدين أن مصدر التلقي فيه هو الوحي المنزل من عند الله عز وجل، قرآناً وسنة، لا مصدر غيره ولا مرجع سواه، وكيفية تلقي هذا الوحي بيّنها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار عليها خلفاؤه وأصحابه ومن والاهم، وملخص ذلك التسليم المطلق، والإذعان الكامل، والرضا التام بحكم الله ورسوله: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً".

وهذا هو ما كان عليه السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، ولكن عندما تعددت المصادر بأن ابتدعت مصادر جديدة، نحو:

 1.   الفلسفة والمنطق.

 2.   العقل البشري.

 3.   المصلحة الموهومة.

 4.   الخلاف المجرد من الدليل.

وتغيرت كيفية تلقي الوحي، بحيث أصبحت النصوص الصحيحة الصريحة تعرض على هذه المصادر الجديدة المبتدعة، فما وافقها قبل، وما خالفها أوِّل أو ردّ، تغيرت أحوال المسلمين، وتفرقوا، وتشتتوا، وخذلوا، وهزموا، وهانوا على أعدائهم.

فإذا أردنا لهذه الأمة الوحدة والائتلاف، ونبذ الخلاف، فهذا هو طريق الوحدة والاجتماع، وبدونه فلن تجتمع الأمة، وإنما ستزداد تفرقاً وتحزباً وشتاتاً.

(‌ب)  تصحيح العقيدة ونبذ الممارسات الشركية

لقد بلغ الفساد العقدي لدى كثير من المسلمين مداه، بحيث فاق ما كان عليه المشركون الأوائل، وقد صور ذلك أبو السمح أحد أئمة الحرمين الشريفين السابقين شعراً، فقال:

ولقد أتى في الذكر أن دعاءهم         في الكرب كان لربنـا الرحـمن

فإذا  دنا فـرج و شامــوا برقه          عـادوا إلى الكفـران و الطغيان

لكن قومي في الرخـاء و ضـده           يدعــون غيـر الله بالإحـسان

يدعون أمواتاً غدوا تحت الثـرى           ما إن لهم في ذي الورى من شان

و الله كاشـف كل كرب قــادر           وسـواه ذو عجـز فقيـر فـانٍ

ومصداق ما قاله أبو السمح في واقع المسلمين واضح للعيان، من أمثلة ذلك ما يلي:

عندما هاجم التتار القدامى بلاد الشام، وخاف الناس أن يصيبهم ما أصاب إخوانهم في عاصمة الخلافة بغداد، طمأنهم أحد الناس بقوله:

يا خائفين من التتـار              لوذوا بقبر أبي عمر

لوذوا بقبر أبي  عمر              ينجيكم من الخطـر

كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه عنهم، وقال لهم: لو كان أبو عمر حياً لما استطاع أن يفعل شيئاً مع هذه الحال؛ فشمَّر شيخ الإسلام وتلاميذه عن ساعد الجد، وحثوا الحكام والعامة على الجهاد، وإصلاح العقائد والنيات، فكتب لهم النصر على التتار عندما التقوا بهم ثانية.

وعليك أخي القارئ أن تقارن بين ما قاله هذا الرجل، وبين ما قاله عبد المطلب وكان مشركاً، عندما جاء أبرهة عازماً على هدم الكعبة، ولم تكن له ولقومه استطاعة بردهم، لجأ إلى الله متضرعاً متذللاً، مما يدل على أن حال بعض إخوتنا المسلمين اليوم أسوأ من حال المشركين الأوائل، كما قال أبو السمح رحمه الله.

قال ابن هشام: (ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة:

لاهـمَّ إن العبـد يمـ                نعُ رَحله فامنع رحالك

لا يغلبـن صليبُهــم                و محالُهم غدواً محالك

إن كنتَ تاركهم وقبـ                 ـلتنا فـأمر ما بدا لك

أما كان لهذا الرجل وأمثاله الذي دعا إلى التوسل بالأموات، وهو يدَّعي الإسلام، أن يفعل ما فعله عبد المطلب وهو مشرك، عندما عجز عن دفع الأعداء؟!

فاستجاب الله دعاء هذا المشرك المضطر وحمى بيته، وأهلك أبرهة، وأرسل عليهم عذاباً من عنده، وأنزل في ذلك سورة تتلى إلى يوم القيامة.

فأنى يكتب النصر لأمة اتخذ بعضها القوميات والنعرات ديناً يعبد بدلاً عن الله عز وجل؟!

وإليك أخي الكريم نماذج لهذه الكفريات، إذ ناقل الكفر ليس بكافر، سيما لو كان هدفه العظة والاعتبار:

(يقول الشاعر التركي محمد أمين: "أنا تركي.. ديني سام، جنسي عظيم، قلبي مملوء بالنار"، وقد غلا كثير منهم حتى قالوا: نحن أتراك، فكعبتنا طوران؛ وتغنوا بمدائح جنكيز خان).

وفي مقابل ذلك يقول دعاة البعث العربي الجاهلي ما يفوق ما قاله دعاة القومية التركية الجاهلية:

آمنت بالبعث رباً لا شريك له            وبالعروبة ديناً ماله ثانِ

وقالوا هاتفين: "البعث ديني والعروبة مذهبي".

وقال كبيرهم الذي علمهم السحر: "يجب تجميد القرآن لأنه يولد الكبت".

وقال أحدهم:

يا مسلمون ويا نصارى دينكم            دين العروبة واحد لا اثنان

وقال آخر:

سلام على كفر يوحد بيننــا            وأهلاً وسهلاً بعده بجهنـم

أبعد كل ذلك تعجب أخي الكريم من سقوط الدولة العثمانية، وسقوط عاصمة الخلافة بغداد، إذا كانت هذه عقيدة حماتها؟

(‌ج)  التحاكم إلى شرع الله ونبذ القوانين الوضعية

من أسباب الخذلان الواضحة لهذه الأمة تنكرها لشرع نبيها، وتحاكمها للقوانين الوضعية، بعد أن نبذ جلهم حكم الله ورسوله وراءهم ظهرياً، فليس لها خلاص مما هي فيه من الذل والهوان إلا برجوعها إلى شرعها المصفى، وصدق توبتها عن تخليها عنه في الفترة الماضية بعد سقوط الدولة العثمانية، فمن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، والظالمون، والفاسقون: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون.. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون"، فماذا بعد الكفر، والظلم، والفسق، إلا الضلال المبين؟

(‌د)  ترك الذنوب والآثام

المعاصي بريد الكفر، والمسلمون لا يجاهدون أعداءهم بقوة عتاد ولا عدة، وإن كان لابد من الإعداد وأخذ الحيطة: "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"، ولكن يجاهدون ويحاربون أعداءهم بصدق الإيمان، والتوكل على الله، وباجتناب الذنوب والآثام، ولهذا كان عمر رضي الله عنه يقول لجنده: "والله أنا من ذنوبكم أخوف عليكم من عدوكم"، أوكما قال.

قدم وفد على عمر بن الخطاب بفتح، فقال: متى لقيتم عدوكم؟ قالوا: أول النهار؛ قال: فمتى انهزموا؟ قالوا: آخر النهار؛ فقال: إنا لله! أوقام الشرك للإيمان من أول النهار إلى آخره؟! والله إن كان هذا إلا عن ذنب استحدثتموه بعدي، أوأحدثته بعدكم، ولقد استعملت يعلى بن أمية على اليمن، أستنصر لكم بصلاحه.

فالحذر الحذر من اقتراف المعاصي والاستهانة بها، فحب الله يستلزم طاعته فيما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، فلا يؤمن المرء حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.

فالحذر الحذر من الذنوب والمعاصي والتهاون في ذلك، فهي من المهلكات، وسبب للخذلان في الحياة وبعد الممات.

(ﻫ ) احذروا الظلم

الظلم ظلمات يوم القيامة، ولهذا فإن الله حرَّم الظلم على نفسه وجعله بيننا محرماً، فقال صلى الله عليه وسلم: "فلا تظالموا"، وقد جاء في الأثر: إن الله لينصر الدولة الكافرة العادلة على الدولة المسلمة الظالمة.

فالظلم، سيما ظلم المسلم لأخيه المسلم، وتعديه على ماله، ودمه، وعرضه، من أقوى أسباب الخذلان، فكم دولة زالت وكم حاكم ذل بسبب الظلم والتعدي على حقوق الآخرين، فإذا دعتك أخي الكريم قدرتك على ظلم غيرك فتذكر قدرة الله عليك، وأن الله يمهل ولا يهمل، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يملي الظالم، فإذا أخذه لم يفلته"، ثم قرأ: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى".

كتب عامل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله: إن مدينتنا احتاجت إلى مرمة؛ فكتب إليه عمر: حصِّن مدينتك بالعدل، ونق طرقها من المظالم.

قال بعض الحكماء: أعجل الأمور عقوبة وأسرعها لصاحبها سرعة ظلم من لا ناصر له، ومجاورة النعم بالتقصير، واستطالة الغني على الفقير.

ذكر الذهبي في الكبائر له: (لما حبس خالد بن برمك وولده، قال له ولده: بعد العز صرنا في القيد والحبس؟ فقال: أي بني، دعوة مظلوم سرت بليل، غفلنا عنها، ولم يغفل الله عنها).

وقال أبو الفداء بن عقيل الحنبلي: (حكي أن بعض الوزراء ظلم رجلاً، فقال له الرجل: اتق الله، وكفَّ عني، وإلا دعوتُ الله تعالى عليك؛ فقال الوزير: ادع بما شئتَ؛ فما مضت أيام حتى قبض الوزير وعذب، فكتب إليه الرجل بهذين البيتين:

سهام الليل لا تهدأ ولكن               لها أجـل وللأجل انتهاء

أتهزأ بالدعاء و تزدريه                تأمل فيك ما فعل الدعاءُ؟!

وأخيراً أحب أن أختم حديثي هذا بأبيات من الشعر رُثيت بها الأندلس، والخلافة العثمانية عند ضياعهما من المسلمين، أتمثل بها، ولم أتمن أن أكون شاعراً إلا عند سقوط بغداد واحتلال الصليبيين لها، لأرثيها كما رثى أبو البقاء الرندي الأندلسي وأحمد شوقي الخلافة العثمانية، وإن كان الرثاء لا يجدي ولكنه يسلي النفس، ويذكر القادمين بما حل بأسلافهم، ويحفز الجادين على العمل.

قال الرندي رحمه الله يرثي الأندلس في قصيدة تربو على الخمسين بيتاً، مطلعها:

            لكـل شيء إذا مــا تـم  نقصان          فلا يغـر بطيب العيـش إنسان

نختار منها بعض الأبيات:

هي الأمور كما شاهدتَهـــا  دول         من سرَّه زمنٌ سـاءته أزمـانُ

و هذه الـدار لا تبقى على أحــد         ولا يدوم على حـال لهـا شان

فجـائع الدهـر أنـواع   منوعـة         وللزمان مسـرات وأحــزان

و للحـوادث سلـوان   يسهلهــا         وما لما حل بالإسـلام سلـوان

دهى الجزيـرة  أمر لا عـزاء  له         هوى له أحـد و انهـد ثهـلان

أصابها العين في الإسلام  فارتزأت         حتى خلت منه أقطـار وبلـدان

تبكي  الحنيفيـة البيضاء من  أسف         كما بكى لفـراق الإلف هيـمان

على  ديار من الإسـلام  خـاليـة         قد اقفرت و لها بالكفر عمـران

حيث المساجد قد صارت كنائس  ما         فيهن إلا نواقيـــس و صلبان

حتى المحاريب تبكي وهي جـامدة         حتى المنابر ترثي وهي عيـدان

يا غافلاً وله في الدهـر موعظـة          إن كنتَ في سنة فالدهـر يقظان

تلك المصيبة أنست مـا تقدمهــا          و ما لها من طول الدهر نسيـان

كم يستغيث بنا المستضعفون وهـم          قتلى وأسـرى فمـا يهتز إنسان؟

ماذا  التقاطـع في الإسـلام  بينكم          و أنتم يـا عبـاد الله إخــوان؟

ألا نفـوس أبيّـات  لهـا همــم           أما على الخير أنصار و أعوان؟

يا من لذلـة قـوم بعـد  عزهـم           أحـال حولهم  جـور و طغيان

لمثل هذا يذوب  القلب عن  كمـد           إن كان في القلب إسلام و إيمان

أما أمير الشعراء شوقي فقد رثى الخلافة العثمانية عند سقوطها قائلاً:

عادت أغاني العرس رجع نواح              و نعيتِ  بين معالم الأفــراح

كُفنتِ في ليل الزفـاف  بثـوبه              و دفنتِ عند  تبلج الإصبــاح

شُيعتِ من هلع بعبرة  ضـاحك              في  كل ناحية و سكـرة صاح

ضجت عليك  مآذن و منــابر              و بكت عليك ممـالك و نواحي

الهند  والهة و مصر حـزينـة              تبكي عليك  بمدمـع سحَّــاح

والشام تسأل و العراق و فارس              أمحا من الأرض  الخلافة ماح؟

نسأل الله أن يغفر لأحمد شوقي بهذه الأبيات تطاوله على السلطان عبد الحميد رحمه الله في أبياته الظالمة المتعدية على هذا السلطان، التي مطلعها:

عبد الحميد حساب مثلك            في يـد الملك القديـر

لقد صمد السلطان عبد الحميد صموداً لو صمده الحكام بعده لما ضاعت فلسطين، ولما قضى على دولة الطالبان، ولما سقطت بغداد، لقد ضحى بملكه وبسلطانه العريض، ولو سمح لليهود بإقامة وطن في فلسطين لبقي حكمه وسلطانه، ولكنه آثر الآخرة على الدنيا، والباقية على الفانية، لقد أغرى اليهودُ السلطانَ عبد الحميد مقابل السماح لليهود بإقامة وطن في فلسطين بإغراءات كثيرة، منها:

  1.   إقراض الخزينة العثمانية أموال طائلة.

  2.   تقديم هدية خاصة للسلطان مقدارها خمسة ملايين ليرة ذهبية.

  3.   تحالف سياسي يوقفون بموجبه حملات الدعاية السيئة التي ذاعت ضده في صحف أوروبا وأمريكا.

لكن السلطان ركل كل ذلك، وطرد الوسطاء من مجلسه، وأصدر أمراً بمنع هجرة اليهود إلى فلسطين، وساعتئذ قرروا عزله، والقضاء على الخلافة، ليأتوا ببدائل تمكنهم من تنفيذ هذا المخطط الخبيث الذي أكرم السلطان أن يكون عليه وزر منه.

على حكام المسلمين اليوم التأسي والاقتداء بهذا السلطان، وأن لا ينساقوا وراء مخططات الكفار، وأن يتذكروا وقوفهم بين يدي ملك الأملاك، وأن لا يبيعوا آخرتهم بحظ فانٍ من الدنيا، وليتذكروا أن المُلكَ بيد الله ينزعه ويسلبه ممن يشاء، وأنه أمانة، وأنه يوم القيامة خزي وندامة.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم حكم فينا خيارنا ولا تحكم فينا شرارنا، اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واهدهم سبل السلام، وحبب إلينا وإليهم الإيمان وزينه في قلوبنا وقلوبهم، وكرِّه إلينا وإليهم الكفر والفسوق والعصيان، وصلى الله وسلم على خاتم الرسل الكرام، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان، والسلام.

 

 

[ رجوع ]




         

contact us                         advertise with us                                     copy right © 2003-2004   NORELISLAM.TK   

the site is developed and designed by

HOSAM DOIDAR