xmlns:v="urn:schemas-microsoft-com:vml" xmlns:o="urn:schemas-microsoft-com:office:office" xmlns="http://www.w3.org/TR/REC-html40"> أيها الموسرون الأسخياء ارعوا العلم والعلماء

                                                     

الجمعية الشرعية لكفالة الطفل اليتيم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا وكافل اليتيم فى الجنه كهاتين وأشار بالسبابه والوسطى" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

الاسلام هو الحل


ركن النصيحة

ركن الذكرى

ركن الاسرة

ركن السلوك

ركن الدعوة

ركن العبادات

ركن العقائد

ركن الفتوى

ركن العبر والعظات

ركن المعاملات

لقاء الاحبة

الاربعون النووية

اصدقاء الموقع

إذاعة القرآن الكريم

قالوا وقلنا

اعلن عن موقعك معنا

مواقع تهمك

الاستاذ عمروخالد
جريدة افاق عربية
دليل وفاتورة التليفون
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ركن الدعوة

 

 

أيها الموسرون الأسخياء ارعوا العلم والعلماء
"الأسخياء هم سادات الدنيا"

كما أن للآخرة سادة وهم الأتقياء، فكذلك فإن للدنيا سادة هم الأسخياء، فالسخاء مطلوب محبوب في كل المجالات، سيما في بث العلم ونشره، وعلى الغزاة والمجاهدين، والعلماء والدعاة العاملين، وعلى الأيتام، والأرامل، والفقراء، والمساكين، وفي سبل الخير المختلفة، وطرقه المتعدية النفع المتنوعة.

لقد أمر الله ورسوله بالإنفاق، ونهيا وحذرا من البخل والشح والإقتار، فقال عز من قائل: "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه".

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً؛ ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً".

قـال صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مـال من صدقة" ، وفي رواية: "ما نقصت صدقة من مـال".  

وجعل الشارع الحكيم الإنفاق في سبل الخير قليلاً كان أم كثيراً من الكسب الطيب سبباً من أسباب دخول الجنة، فقال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة"، وقال: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلوَّه حتى تكون مثل الجبل".

لم يأمر الشارع أحداً أن يغبط أحداً إلا في خصلتين، فقال: "لا حسد – أي لا غبطة – إلا في اثنتين، رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها".

فالإنفاق الذي أمر الله ورسوله به، ووعدا بخلفه، هو الإنفاق في أوجه الخير والحق، وعلى العكس والنقيض من ذلك الإنفاق في أوجه الشر والباطل، كالإنفاق على أهل البدع والفسوق، والسفهاء من الفنانين، والأدباء، والشعراء، والرياضيين، والإعلاميين الخبثاء، فالإنفاق على هؤلاء وبال ليس بعده وبال، وخسران وكساد، واعلم أخي الموسر أنه لن تزول قدماك عن الصراط حتى تسأل عن أربع، منها: "عن مالك من أين اكتسبته وفيما أنفقته".

واحذر كذلك أن تكون من الكانزين الغافلين، ومن المكثرين المقلين الخاسرين: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون".

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: "هم الأخسرون ورب الكعبة"، قلت: فداك أبي وأمي، من هم؟ قال: "الأكثرون أموالاً، إلا من قال: هكذا وهكذا، من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، وقليل ما هم".

بعض الآثار في ذم البخل والإقتار

لقد ذم السلف الصالح البخل وعابوه، وأكثروا من ذلك، نذكر طرفاً منها:

1.  عن علي رضي الله عنه قال: "البخل جلباب المسكنة، وربما دخل السخي بسخائه الجنة"، أي مع قلة أعماله الصالحة إذا مات على التوحيد.

2.  خطب الزبير بن العوام رضي الله عنه بالبصرة فقال: "أيها الناس، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا زبير، إن الله تعالى يقول: "أنفق أنفق عليك، ولا توكئ فيوكأ عليك، وأوسع يوسع الله عليك، ولا تضيق فيضيق الله عليك، واعلم يا زبير أن الله يحب الإنفاق، ولا يحب الإقتار، ويحب السماحة ولو على فلق تمرة، ويحب الشجاعة ولو على قتل حية أوعقرب".

3.  وقال جعفر بن محمد: "قال الله عز وجل: أنا جواد كريم، لا يجاورني في جنتي لئيم".

4.  وقالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز: أفٍ للبخل، والله لو كان طريقاً ما سلكته، ولو كان ثوباً ما لبسته".

5.  وقال يونس بن عبد الأعلى: قال الشافعي: "السخاء والكرم يغطي عيوب الدنيا والآخرة، بعد أن لا يلحقه بدعة".

قلت: لأن المبتدع في دين الله لا يقبل منه صرف ولا عدل، أي لا فرض ولا سنة.

6.  وقال حبيش بن مبشر الثقفي الفقيه: "قعدتُ مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين والناس متوافرون، فأجمعوا أنهم لا يعرفون رجلاً صالحاً بخيلاً".

7.  وقال بشر بن الحارث – الحافي: "لا تزوج البخيل ولا تعامله، ما أقبح القارئ أن يكون بخيلاً"، رواه الخلاف في "الأخلاق".

8.  وقال بشر الحافي كذلك: "شاطر سخي أحب إلى الله من صوفي بخيل".

البخل قبيح من جميع الخلق

لا شك أن البخل قبيح من جميع الناس، ولكن يزداد قبحه ويسوء فعله من:

1.  العلماء.

2.  الأغنياء.

3.  العباد.

والبخل من العلماء قبيح، سواء كان بخلهم بالمال، أوبالعلم، وبخلهم بالعلم أسوأ من بخلهم بالمال.

قال ابن المبارك رحمه الله: "من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما موت يُذهب علمه، وإما ينسي، وإما يلزم السلطان فيذهب علمه".

أفضل ما ينفق فيه المال العلمُ الشرعي

سبل الخير كثيرة ومتتنوعة، وكل ميسر لما خلق له، ولكن أفضل وأحسن ما ينفق فيه المحسنون ويبذل فيه الموسرون أموالهم هو بث العلم ونشره، وتعهد العلماء، وطلاب العلم الشرعي، والدعاة، هذا كله بعد صدق النية وتجنب الأذية بالمن والأذى.

قال العالم التاجر المجاهد عبد الله بن المبارك رحمه الله وقد عُزل في إنفاقه على العلماء وطلاب العلم، وعوتب في ذلك، وكان ذلك هو الدافع له للاشتغال بالتجارة، دون أن يقتصر على بلده: "إني أعرف مكان قوم لهم فضل وصدق، طلبوا الحديث فأحسنوا طلبه، لحاجة الناس إليهم احتاجوا، فإن تركناهم ضاع علمهم، وإن أعناهم بثوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، لا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم".

طلب العلم ونشره يحتاج فيما يحتاج إليه إلى تفرغ، ولا يمكن لأحد أن يقوم ببث العلم ونشره ولا حتى بطلبه على الوجه المرضي إلا إذا كفي مؤونة المعايش، خاصة في هذا العصر الذي ارتفعت فيه أسباب المعايش وتعسرت، وتعددت فيه متطلبات الحياة واختلفت، خاصة للمتزوجين وأصحاب العيال، فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.

إذا كان سيد الخلق صلى الله عليه وسلم سأل من يأويه ويمنعه ويحميه حتى يبلغ رسالة ربه، وعرض نفسه على القبائل العربية عندما أعرض عنه قومه في مكة، إلى أن فازت بهذا الخير وحظيت بهذا الأمر الأنصار، لما ادخره سبحانه وتعالى لهم من الكرامة العظيمة، والآلاء الجسيمة في الدنيا والآخرة.

روى ابن إسحاق رحمه الله بسنده إلى العباس رضي الله عنه – وكان وقتها مشركاً – يقول: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى على القبائل العربية يقول: "يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي، وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به".

والعلماء هم ورثة الأنبياء وأتباع الرسل، ومهمتهم تبليغ هذا الدين وإرشاد العالمين، وحاجتهم إلى العناية والرعاية من إخوانهم المسلمين أكثر من حاجة الأنبياء والرسل، لأن الله عاصمهم، ولما زودهم الله به من القناعة والرضا بالقليل، لهذا فقد كان كثير من السلف حريصين على رعاية العلماء وطلاب العلم، مشتغلين بذلك، متكفلين لهم بما يهمهم من أمور معاشهم، وما يعينهم على تفرغهم لطلب العلم ونشره بين العباد.

نماذج لمن كان متكفلاً بطلبة العلم وراعياً لهم

المجتمع المسلم مجتمع متكافل مترابط، متمم لبعضه البعض، فما من شريحة من شرائحه إلا وهي تقوم بدور فاعل، وتسد ثغرة من الثغور المهمة، فما كان للغزاة أن يغزو العدو، وأن يرابطوا بالثغور لولا أن الله هيأ بعض طوائف المسلمين للقيام بالزراعة، والتجارة، ونحوها من المكاسب، ليخلفوا هؤلاء الغزاة في أهليهم وأولادهم، ولولا أن الله سبحانه وتعالى هيأ بعض الموسرين والمحسنين، ويسرهم لمساعدة إخوانهم من العلماء والدعاة وطلاب العلم، لما استطاع هؤلاء أن يقوموا بواجبهم في نشر العلم وبثه، ودعوة الناس إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم في الدين والدنيا، فالمؤمن للمؤمنين كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، كما أخبر الصادق المصدوق، ولهذا فإن أي تقصير أوخلل يحدث في شريحة من شرائح المجتمع المختلفة يكون له تأثيره السلبي على الإسلام والمسلمين.

لذا فلابد من التذكير والمناصحة والأخذ بيد المقصر حتى لا تغرق السفينة، وحتى لا يتواطأ الجميع على الباطل ثم يدعون فلا يُستجاب لهم.

أولاً من العلماء

أشهر الأمثلة وأصدق النماذج لاهتمام بعض العلماء المحسنين الموسرين بطلاب العلم والعلماء، وأكثر المهتمين بنشر العلم وإفشائه بين الناس، على سبيل المثال لا الحصر:

1.  سعد بن عبادة رضي الله عنه

سيد الخزرج الجواد الكريم، كان من سلالة كرماء.

قال الذهبي: (وكان سعد وعدة آباء له قبله ينادي على أطمهم: من أحب الشحم واللحم فليأت أطم دُليم بن حارثة).

ويتمثل سخاء سعد وجوده واهتمامه بالعلم والعلماء وطلابه في الآتي:

أ. كانت له قصعة تدور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه حيث دار.

قال الذهبي: (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان يبعث إليه كل يوم جفنة من ثريد اللحم، أوثريد بلبن وغيره، فكانت جفنة سعد تدور مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه).

ب. كان سعد يصحب معه كل ليلة ثمانين من أهل الصفة يعشيهم.

2.  جعفر بن أبي طالب الملقب بالطيار رضي الله عنه

من الأسخياء الأجواد الرحماء على طلاب العلم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، دعنا نستمع إلى حافظ السنة أبي هريرة – الذي كان متفرغاً لحفظ الحديث في أول الأمر – يصف لنا جود هذا الصحابي وإحسانه واهتمامه بطلاب العلم الفقراء من أهل الصفة.

قال أبو هريرة رضي الله عنه: "ما احتذى النعال، ولا ركب المطايا، أفضل من جعفر بن أبي طالب"، قال الذهبي: يعني في الجود والكرم.

وقال أبو هريرة كذلك: "كنا نسمي جعفراً أبا المساكين، كان يذهب بنا إلى بيته، فإذا لم يجد لنا شيئاً أخرج إلينا عُكَّة أثرها عسل فنشقها ونلعقها".

وفي رواية عنه قال: "إن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة، وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني، حتى لا آكل إلا الخمير، ولا ألبس إلا الحبير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية هي معي كي ينقلب بي فيطعمني"، ثم ذكر صنيع جعفر بهم.

قلت: ينبغي لطلاب العلم اليوم الاقتداء والتأسي بهذا الصحابي الجليل في الصبر على المشاق، وفي المثابرة على التحصيل، وفي التفرغ لطلب العلم، فلم ينل أبوهريرة ما ناله وكذلك جل الأئمة إلا بالجد والمثابرة، وبالصبرواليقين، فهما الطريق لحيازة الإمامة في الدين.

3.  الليث بن سعد (94-175ﻫ)

من العلماء الموسرين الأسخياء المشتغلين بكفالة العلماء وطلاب العلم والمساكين، فقيه مصر ومحدثها الليث بن سعد رحمه الله.

قال الشافعي: الليث أعلم من مالك، إلا أن تلاميذه أضاعوه.

قال ابن قتيبة: كان الليث يتصدق كل يوم على ثلاثمائة مسكين.

أما إنفاقه على العلماء والمحدثين فيدل عليه ما يأتي:

أ. قال سليم بن منصور بن عمار: حدثنا أبي قال: دخلتُ على الليث خلوة فأخرج من تحت وسادة كيس فيه ألف دينار، وقال: يا أبى السَّرى، لا تُعلِم بها ابني، فتهُونَ عليه.

ب. حج الليث، فقدم المدينة، فبعث إليه مالك بن أنس بطبق رطب، فجعل الليث على الطبق ألف دينار ذهب فرده.

ج. وكتب مالك إلى الليث إني أريد أن أدخل بنتي على زوجها، فأحب أن تبعث لي شيئاً من عُصْفر، فبعث إليه بثلاثين حِملاً عُصْفراً، فباع منه بخمسمائة دينار، وبقي عنده فضلة.

عن أبي صالح كاتب الليث قال: كنا على باب مالك، فامتنع من الحديث، فقلت: ما يشبه هذا صاحبنا؟ قال: فسمعها مالك، فأدخلنا، وقال: من صاحبكم؟ قلت: الليث؛ قال: تشبهوننا برجل كتبتُ إليه في قليل عُصْفر، نصبغ به ثياب صبياننا، فأنفذ منه ما بعنا فضله بألف دينار.

وقال حرملة: كان الليث بن سعد يصل مالكاً بمائة دينار في كل سنة، فكتب إليه مالك: عليَّ دين، فبعث إليه بخمسمائة دينار.

د. احترقت كتب ابن لهيعة فوصله بألف دينار.

ولهذا كان دخله في كل سنة ثمانين ألف دينار، فما وجبت عليه زكاة درهم قط.

قال: ما وجبت عليَّ زكاة منذ بلغت.

ﻫ. جاءت امرأة إلى الليث وقالت: يا أبا الحارث، إن ابناً لي عليل واشتهى عسلاً؛ فقال: يا غلام، أعطها مِرطاً من عسل؛ والمرط عشرون ومائة رطل، وقال: سألت على قدرها، وأعطيناها على قدر السعة علينا.

و. وأعطى منصور بن عمار الواعظ مرة ألف دينار وجارية تسوى ثلاثمائة دينار.

وقال عبد الله بن صالح: صحبت الليث عشرين سنة لا يتغدى ولا يتعشى إلا مع الناس، وكان لا يأكل إلا بلحم، إلا أن يمرض.

4.  العالم المجاهد عبد الله بن المبارك (118-181ﻫ)

كانت همة ابن المبارك متعلقة بأمور، هي:

1.  حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2.  الغزو والجهاد في سبيل الله.

3.  الحج والعمرة.

4.  كفالة العلماء وطلاب العلم والإخوان.

5.  الإنفاق على الفقراء والمساكين.

كان ابن المبارك رحمه الله من الأسخياء الأجواد، وكان سخاؤه لجميع الناس سيما العلماء وطلاب العلم والإخوان.

قال الذهبي رحمه الله: بلغنا أنه قال للفضيل بن عياض: لولاك وأصحابك ما اتجرتُ.

وقال مرة: لولا السفيانان ما اتجرت؛ يعني العالمين الكبيرين والمحدِّثين العظيمين: سفيان الثوري وسفيان بن عيينة، رحمهما الله، وكان ينفق على الفقراء كل سنة مائة ألف درهم.

وقال الذهبي: كان ابن المبارك غنياً شاكراً، رأس ماله نحو الأربعمائة ألف.

قال علي بن خَشْرم: قلت لعيسى بن يونس: كيف فضلكم ابن المبارك ولم يكن بأسن منكم؟ قال: كان يقدم ومعه الغِلْمة الخرسانية، والبزَّة الحسنة، فيَصِل العلماء، ويعطيهم، وكنا لا نقدر على هذا.

نماذج من إنفاق ابن المبارك على العلماء وغيرهم

أ. قال نعيم بن حماد: قدم ابن المبارك أيلية – بيت المقدس – على يونس بن يزيد، ومعه غلام مفرغ لعمل الفالوذج، يتخذه للمحدِّثين.

ب. دخل أبو أسامة – وهو من العلماء – على ابن المبارك، فوجد في وجهه أثر الضر، فلما خرج بعث إليه أربعة آلاف درهم، وكتب إليه:

            وفتى خـلا مـن مـاله            ومن المـروءة غير خالِ

            أعطـاك قبـل  سـؤاله            وكفـاك مكـروه السؤالِ

ج. وقال المسيب بن واضح: أرسل ابن المبارك إلى أبي بكر بن عياش أربعة آلاف درهم، فقال: سد بها فتنة القوم عنك.

د. وممن كان يتكفل بهم ويصلهم إسماعيل بن علية، فلما ولي القضاء أوالصدقات لهارون الرشيد قطع صلته عنه، وكتب إليه بهذه الأبيات:

             يا جاعل العِلْم له  بازيـاً             يصطـاد أموال المساكين

            احتلت للدنيـا ولذاتهــا              بحيلـة  تذهب بالـدِّيـن

            فصرتَ مجنوناً بها بعدما               كنتَ دواءً للمسَــاكيـن

            أين رواياتك في سـردها              عن ابن عَوْن وابن سيرين

            أين رواياتك فيمـا مضى              في ترك أبواب السَّلاطين

            إن قلتَ أكرهتُ فماذا كذا              زل حِمارُ العِلم في الطين

فلما قرأها إسماعيل اعتزل منصبه، وعاوده ابن المبارك بصلاته، فعلم الرشيد بذلك، فقال: لعل هذا المجنون كتب إليه أوقابله؛ أوكما قال.

قلت: رحم الله ابن المبارك، ما كان يريد من العلماء والمحدِّثين أن يتولوا الوظائف الحكومية التي تحد من نشاطهم وتفرغهم للعلم والدعوة، بل كان مراقباً لحركات العلماء وتصرفاتهم، فإذا رأى أحدَهم أراد التفرغ للعبادة أونوى اعتزال الغزو والجهاد، سواء كان بالمرابطة أوبنشر العلم باللسان والبنان أنبه على ذلك ونصحه، كما فعل بالفضَيْل بن عياض رحمه الله عندما آثر العبادة على المرابطة، والغزو، وتعليم العباد، لتعدي آثار هذه الأعمال على العبادة، كتب إليه هذه الأبيات.

قال ابن سُكينة: أملى عليَّ ابنُ المبارك سنةَ سبع وسبعين ومائة، وأنفذها معي إلى الفضيل بن عياض من طَرْطوس:

             يا عابد الحرمين لو أبصـرتنا            لعلمـتَ أنك بالعبـادة تلعبُ

             من كان يخضب جيده بدموعه            فنحورنـا بدمائنـا  تتخضب

             أوكان يُتعب خيله في  باطـل            فخيولنا يـوم الصبيحة تتعب

             ريح العبير لكم و نحن عبيرنا            وهج السَّنابك والغبار الأطيب

             و لقد أتانـا من مقـال نبينـا            قول  صحيح صادق لا يُكْذبُ

             لا يستوي غبـارُ خيل الله في            أنف امرئ، ودخان نار تلهب

             هذا كتـاب الله ينطـق بيننـا             ليس الشهيـد بميت لا يكذب

فلم يكابر الفضيل، ولم يستنكف من قبول نصيحته، وإقراره على ما قال، يقول ابن أبي سُكينة: فلقيت الفضيل بكتابه في الحرم، فقرأه وبكى، ثم قال: صدق أبوعبد الرحمن ونصح.

إي وربي، صدق أبو عبد الرحمن ونصح، ولم يجامل ويداهن.

كيف كان تصرفه مع إخوانه من الغزاة والعلماء والعباد في الحج والغزو؟

د. روى الذهبي رحمه الله أن ابن المبارك خرج من بغداد يريد المصيصة، فصحبه الصوفية، فقال لهم: أنتم لكم أنفس تحتشمون أن ينفق عليكم، يا غلام هات الطَّسْت؛ فألقى عليه منديلاً، ثم قال: يلقي كل رجل منكم تحت المنديل ما معه؛ فجعل الرجل يلقي عشرة دراهم، والرجل يلقي عشرين، فأنفق عليهم إلى المصيصة، ثم قال: هذه بلاد نفير، فنقسم ما بقي؛ فجعل يعطي الرجل عشرين ديناراً، فيقول: يا أبا عبد الرحمن إنما أعطيتُ عشرين درهماً؛ فيقول: وما تنكر أن يبارك الله للغازي في نفقته؟

ﻫ. وقال: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل "مَرْو"، فيقولون: نصحبك؛ فيقول: هاتوا نفقاتكم؛ فيأخذ نفقاتهم، فيجعلها في صندوق، ويقفل عليها، ثم يكتري لهم، ويخرجهم من "مَرْو" إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام، وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول لكل واحد: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها؟ فيقول: كذا وكذا؛ فيشتري لهم، ثم يخرجهم إلى مكة، فإذا قضوا حجهم قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متابع مكة؟ فيقول: كذا وكذا؛ فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصلوا إلى "مَرْو"، فيجصص بيوتهم وأبوابهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسرُّوا دعا بالصندوق ففتحه ودفع إلى كل منهم صرته، عليها اسمه.

5.  المحدث الفقيه الإمام الحجة دعلج بن أحمد بن دعلج (259-353ﻫ)

ممن كانت لهم صدقات جارية على العلماء والمحدثين دعلج هذا.

قال الذهبي: قال الحاكم: دعلج الفقيه شيخ أهل الحديث في عصره، له صدقات جارية على أهل الحديث بمكة وببغداد وسجستان.

وقال الخطيب البغداد: كان دعلج من ذوي اليسار، له وقوف على أهل الحديث.

وحكى الخطيب كذلك: أن رجلاً صلى الجمعة، فرأى رجلاً متنسكاً لم يُصَلِّ، فكلمه، فقال: استر عليَّ لدعلج عليَّ خمسة آلاف، فلما رأيته أحدثتُ؛ فبلغ ذلك دعلجاً، فطلبه إلى منزله وحلله من المال، ووصله بمثلها لكونه روَّعه.

ثانياً: من الخلفاء والوزراء

من الخلفاء والحكام والأمراء والوزراء الذين كانوا يعنون بالعلم والعلماء ويقومون بكفالتهم ورعايتهم وتفقد أحوالهم، على سبيل المثال لا الحصر:

1.  الخليفة العباسي هارون الرشيد

قال عنه عبد الله بن المبارك: (ما رأيتُ عالماً، ولا قارئاً للقرآن، ولا سابقاً للخيرات، ولا حافظاً للحرمات، في أيام بعد أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيام الخلفاء الراشدين والصحابة، أكثر منهم في زمن الرشيد وأيامه، لقد كان الغلام يجمع القرآن وهو ابن ثمان سنين، ولقد كان الغلام يستبحر في الفقه والعِلم ويروي الحديث ويجمع الدواوين ويناظر المعلمين وهو ابن إحدى عشرة سنة؛ وما ذلك إلا بكثرة إنفاقه واهتمامه بالعلم والعلماء وطلابه.

2.  الأمير المعز بن باديس

أحد أمراء دولة الصنهاجيين في المغرب الإسلامي، كان لا يسمع بعالم جليل إلا أحضره عنده وجعله من خاصته، وبالغ في إكرامه، وعوَّل على آرائه، ومنحه أسمى الرتب.

3.  الخليفة الموحدي الثالث المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن

الذي أنشأ "بيت الطلبة"، وأشرف عليه بنفسه، وعندما بلغه حسد بعض حاشيته على موضع الطلبة النابغين عنده فزع منهم وخاطبهم قائلاً: يا معشر الموحدين أنتم قبائل، فمن نابه منكم أمر فزع إلى قبيلته، وهؤلاء الطلبة لا قبيلة لهم إلا أنا، فمهما نابهم من أمر فأنا ملجأهم، وإليَّ فزعهم، وإلي ينسبون؛ وقد بالغ في عنايته بالطبيب أبي بكر بن زهر.37

4.  صلاح الدين الأيوبي

كان من الحكام الراعين للعلم والعلماء من أهل السنة، المقربين لهم، لقد أزال هذا الحاكم الصالح والبطل الفالح كل آثار دولة الظلم والعدوان الدولة العبيدية في مصر، هذا بجانب تخليصه لبيت المقدس من الصليبيين.

5.  الوزير ابن هبيرة

كان من العلماء، ولهذا كان مقرباً ومكرماً لأهل العلم.

6.  الوزير نظام الملك السلجوقي

مؤسس المدرسة النظامية ببغداد وغيرها، المحتضن لكثير من أهل العلم في عصره، كالإمام الغزالي، وإمام الحرمين ابن الجويني، وغيرهما كثير، والذي عمل كذلك على القضاء على الدولة الرافضية - الدولة البويهية - كما فعل صلاح الدين رحمهما الله.

 

قلت: لا غرابة أن يهتم بعض الحكام برعاية العلم الشرعي وبكفالة العلماء وطلاب العلم، فهذا من أوجب واجباتهم، ومن أولى مسؤولياتهم، ومع ذلك يشكرون على قيامهم بواجبهم، ويثابون على ذلك ويحمدون، وتخلد مآثرهم وتذاع.

أما أن يقوم بعض الموسرين المحسنين بهذا الواجب الذي غفل عنه كثير من الحكام وأهملوه، فهذا ما يفرح النفس ويثلج الصدر، لأنهم بذلك يرفعون الحرج عن جميع الأمة، لأن الفروض الكفائية نحو نشر العلم وبثه، والأمر والنهي، وجهاد الطلب، إذا تركتها جميع الأمة أثمت، واستحقت غضب الله وسخطه.

فهنيئاً لكم أيها الموسرون المحسنون العاملون على نشر العلم وبثه، وعلى رعاية العلماء وطلاب العلم، وعلى طبع الكتب والرسائل، وبارك الله لكم في أموالكم وأولادكم وأهليكم، وتقبل منكم، وثقل بذلك موازينكم يوم تطيش الموازين، وأمنكم يوم الفزع الأكبر.

واعلموا أن عملكم هذا بفضل من الله ورحمة وتلطف، ولولا ذلك لما تمكنتم من هذا العمل الصالح، فاشكروا الله شكراً جزيلاً أن وفقكم للإنفاق في سبيل الخير، وأن جعلكم شركاء وقسماء للمجاهدين، والغزاة، والعلماء، والدعاة، وكان يمكن أن تكونوا شركاء وقسماء في الوزر للفنانين واللاعبين: "فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون"

واحذروا تخويف وتهديد الكافرين والمنافقين والمخذلين، واعلموا والله أنهم لن يغنوا عنكم من الله شيئاً، واعلموا أنكم أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد: "هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم".

أيها الأغنياء الفضلاء الأسخياء، أين أنتم ممن كان يفرح ويسر ويطرب ويتعجب باستقراض الرب لعباده وهو غني عنهم؟ وذلك عندما نزل قوله تعالى: "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون".

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت: "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً"، قال أبو الدَّحْداح: يا رسول الله، أوإن الله تعالى يريد منا القرض؟ قال: نعم، يا أبا الدحداح؛ قال: إني أريد يدك؛ فناوله، قال: فإني أقرضتُ الله حائطاً فيه ستمائة نخلة؛ ثم جاء يمشي حتى أتى على الحائط، وأم الدحداح فيه وعياله، فناداها: يا أم الدحداح؛ قالت: لبيك؛ قال: اخرجي، قد أقرضتُ ربي عز وجل حائطاً فيه ستمائة نخلة.

وفي رواية عن زيد بن أسلم لما نزل: "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً"، قال أبو الدحداح: فداك أبي وأمي يا رسول الله! إن الله يستقرضنا وهو غني عن القرض؟ قال: نعم، يريد أن يدخلكم الجنة به؛ قال: فإني إن أقرضتُ ربي قرضاً يضمن لي به ولصبيتي الدحداحة معي الجنة؟ قال: نعم؛ قال: فناولني يدك؛ فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فقال: إن لي حديقتين إحداهما بالسافلة، والأخرى بالعالية، والله لا أملك غيرهما، قد جعلتهما قرضاً لله تعالى؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعل إحداهما لله، والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك؛ قال: فاشهد يا رسول الله أني قد جعلتُ خيرهما لله تعالى، وهو حائط فيه ستمائة نخلة؛ قال: إذن يجزيك الله به الجنة؛ فانطلق أبو الدحداح حتى جاء أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل، فأنشأ يقول:

            هداك ربي سبيـل الرشـاد             إلى سبيـل الخير و السـداد

            بيني من الحـائط  بالـوداد             فقد مضى قرضاً إلى التنـاد

            أقرضته الله على اعتمـادي            بالطوع لا مَنَّى  ولا ارتـداد

            إلا رجاء الضعف في المعاد            فارتحلـي بالنفـس والأولاد

            والبـر لا شك  فخيـر زاد             قـدمه المـرء إلى  المعـاد

قالت أم الدحداح: ربح بيعُك! بارك الله لك فيما اشتريت؛ ثم أجابته أم الدحداح وأنشأت تقول:

            بشرك الله بخيـر و فَـرَح           مثـلك أدى مـا لديه ونَصَـحْ

            قد متع الله عيـالي ومنـحْ            بالعجوة السوداء والزَّهو البلحْ

            والعبد يسعى وله مـا كدح            طول الليالي وعليه  ما اجترح

ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تُخرِج ما في أفواههم، وتنفض ما في أكمامهم، حتى أفضت إلى الحائط الآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كم من عَذِق رداح ودار فياح لأبي الدحداح".

والله لا يدري المرء أيكون عجبه أشد بسخاء أبي الدحداح أم بأريحية أم الدحداح؟ لله درهما ما أصدقهما وأنبلهما، أجزل الله مثوبتهما.

فسبحان من خلق الخلق فجعل منهم النبلاء الأسخياء، وجعل منهم الفسلاء، البخلاء، الرذلاء.

قال ابن العربي المالكي معلقاً على صنيع أبي وأم الدحداح الفريد، وعملهما المجيد، وسلوكهما الحميد، مقارنة بما قاله السفلة الرَّذلاء المغضوب عليهم في العالمين من اليهود والمنافقين، الملعونين على ألسنة الأنبياء والمرسلين والمؤمنين، المتواصين بالبخل والشح: "هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضُّوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يعلمون"، والقائلين: "إن الله فقير ونحن أغنياء"، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً:

(انقسم الخلق بحكم الخالق وحكمته، وقدرته ومشيئته، وقضائه وقدره، حين سمعوا هذه الآية أقساماً، وتفرقوا فرقاً ثلاثة: الفرقة الأولى الرَّذلى قالوا: إن رب محمد محتاج فقير ونحن أغنياء؛ فهذه جهالة لا تخفى على ذي لب، فرد الله عليهم بقوله: "لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء"، الفرقة الثانية لما سمعت هذا القول آثرت الشح والبخل، وقدمت الرغبة في المال، فما أنفقت في سبيل الله، ولا فكت أسيراً، ولا أعانت أحداً، تكاسلاً عن طاعة الله، وركوناً إلى هذه الدار، الفرقة الثالثة لما سمعت بادرت إلى امتثاله، وآثر المجيب منهم بسرعة بماله، كأبي الدحداح رضي الله عنه وغيره).

اللهم أعط منفقاً خلفاً، وأعط ممسكاً تلفاً، اللهم يسرنا لليسرى، وانفعنا بالهدى، اللهم إنانسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربنا إلى حبك، وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأسخياء، وخاتم الأنبياء، وعلى آله وصحبه الأصفياء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم اللقاء.

 

 

[ رجوع ]




         

contact us                         advertise with us                                     copy right © 2003-2004   NORELISLAM.TK   

the site is developed and designed by

HOSAM DOIDAR