xmlns:v="urn:schemas-microsoft-com:vml" xmlns:o="urn:schemas-microsoft-com:office:office" xmlns="http://www.w3.org/TR/REC-html40"> عِدَدُ النِّسَــاء

                                                     

الجمعية الشرعية لكفالة الطفل اليتيم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا وكافل اليتيم فى الجنه كهاتين وأشار بالسبابه والوسطى" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

الاسلام هو الحل


ركن النصيحة

ركن الذكرى

ركن الاسرة

ركن السلوك

ركن الدعوة

ركن العبادات

ركن العقائد

ركن الفتوى

ركن العبر والعظات

ركن المعاملات

لقاء الاحبة

الاربعون النووية

اصدقاء الموقع

إذاعة القرآن الكريم

قالوا وقلنا

اعلن عن موقعك معنا

مواقع تهمك

الاستاذ عمروخالد
جريدة افاق عربية
دليل وفاتورة التليفون
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ركن الدعوة

 

عِدَدُ النِّسَــاء

تعريف العدة وحكمها

حِكَم وعلل مشروعية العدة

بِمَ تُحصى العدة؟

الأقراء، هل هي الحيض أم الأطهار؟

أنواع العِدد

    أولاً: عدة المطلقة الحرة

        أ. المطلقة غير المدخول بها

        ب. المطلقة المدخول بها

            1. الحامل

            إذا أسقطت الحامل ما في بطنها بشرب دواء ونحوه هل تنقضي عدتها؟ أم لا؟

            2. المعتدة بالحيض

            3. عدة المرتابة

    ثانياً: عدة المطلقة الأمَة، وأم الولد

    عدة الزانية إذا أرادت الزواج

    ثالثاً: عدة المتوفي عنها زوجها

    رابعاً: عدة المفقود زوجها

    خامساً: عدة كل فرقة في الحياة

    سادساً: عدة الذمية

تداخل العدد

متى تبدأ عدة الطلاق والوفاة؟

النفقة والسكنى للمعتدة من طلاق أووفاة

الخطبة للمعتدة من طلاق أووفاة

الإحداد على المعتدات أكثر من ثلاثة أيام

الإحداد

    أولاً: الاحداد على غير الزوج

    ثانياً: الاحداد على الزوج

ما تمنع منه المحتدة

ما يباح للمحتدة

أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟

 

تمهيد

سر بقاء هذه الشريعة وخلودها، ومقاومتها لقوى الشر والعدوان، وتصديها للمحن والكوارث، والفتن العظام في شمولها، وحفظها، وصلاحها لكل زمان ومكان، وسهولتها، ويسرها، ومراعاتها لواقع الأماكن والأزمان، ولا غرو في ذلك لأنها وحي الرحيم الرحمن.

لقد اهتم الإسلام بالأسرة أيما اهتمام؛ لأنها هي نواة المجتمع المسلم الفاضل، وصانها من التفكك، ورعاها في حالي التوافق، والخصام.

لم يكتف اهتمام الإسلام بالزوجين والأولاد، بل تعداه إلى افتراض وجود أجنة في الأرحام، فشرع لذلك أحكام العِدة وأوجبها على المطلقة، والمتوفي عنها زوجها، والمفقود، وجعل عقد الزوجية من أقوى العقود، وحقوقها من أفضل الحقوق، عندما ابتلى الله الأمة بسبب تقصيرها، وتفريطها، بعد تعاون الزنادقة، والمنافقين المتاظهرين بالإسلام مع اليهود الحاقدين، والنصارى الضالين في إسقاط الخلافة العثمانية، وتقاسمت الدول الاستعمارية الكافرة الدول الإسلامية، بعد أن فصلت بينها بحدود وهمية، أبعد الإسلام عن كل مناحي الحياة، واستبدل المسلمون المقهورون الذي هو أدنى، وأحط، وأذل، بالذي هو خير، وبركة حيث حُكموا بالقوانين الوضعية، والدساتير الجائرة لم يتجرأ المستعمر أن يبعد فقه الأسرة،  حيث ظل المسلمون يتحاكمون فيه إلى شريعة ربهم، حيث خصِّصت دائرة في المحاكم العلمانية عرفت بدائرة "الأحوال الشخصية" ولم تتجرأ قوى الشر على تحريف فقه الأسرة إلاَّ أخيراً على يدي بعض المنافقين، الذين أشربوا حب الكفار، من نفر من بني جلدتنا، يتكلمون بلغتنا، ولكنهم يعادون ديننا أكثر وأشد من عداوة الكفار، حيث شرعوا قوانين شيطانية، تحرِّم تعدد الزوجات، وتعتذر للزناة، وتمنع تزويج البنات دون سن الثامنة عشرة، وتبيح السفور، وتذمُّ الحجاب، بل وتمنع من على رأسها خرقة وليس المتنقبة من دخول المستشفيات ولو كانت في حالة وضوع، كما هو الحال في بعض البلاد.

فهذا بحث عن عِدَدُ النساء، عن تعريف العدة، وحُكمها، وعللها وأنواعها، وما يتعلق بها من احداد ونفقة ونحو ذلك، كتبته من باب النصيحة لعامة المسلمين.

وقد دفعني للكتابة عن ذلك أمور هي:

1. جهل كثير من المسلمين بهذه الأحكام الشرعية، وما ينبني عليها، في حين أن معرفتهم لتلك الأحكام من الواجب العيني عليهم.

2. كثرة سؤال الناس، واختلافهم في بعض أنواع العدد.

3. تساهل بعض من يسأل غير أهل العلم عن بعض الأحكام المتعلقة بالعدة، وبعض النساء.

4. ضياع بعض الحقوق المتعلقة بالعدة نحو النفقة على المعتدة من وفاة، أوطلاق رجعي.

5. الإسهام في وجود مؤلف ميسر سهل يمكن الرجوع إليه في هذا الشأن.

والله أسأل أن يوفقني لذلك، وأن يجعل عملي خالصاً ومتقبلاً، وصلى الله وسلم على أفضل زوج في العالمين، وعلى آله وصحبه وأزواجه أمهات المؤمنين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

تعريف العدة لغة

مأخوذة من العدد، العِّدة بالكسر مصدر الإحصاء للعدد، والعُدَّة بالضم الشيء المستعد لشيء، والعَدُّ بالفتح الجملة المعدودة.

تعريف العدة شرعاً

تربص يلزم المرأة عند زوال النكاح المتأكد أو شبهته، وقيل: هي حريم لانقضاء النكاح.

 حُكمُ العدة

حكم العدة الوجوب.

سببها

الطلاق، أوالوفاة، أوفقدان الزوج.

دليلها

الكتاب، والسنة، والإجماع.

فمن الكتاب

1. قوله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخــر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصــلاحــاً".

2. وقوله: "واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن إرتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللآئي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن".

3. وقوله تعالى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجـــاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً".

4. وقوله: "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة".

ومن السنة

1. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امراته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي امر الله أن تطلق لها النساء".

2. "أمره صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت أم شريك".

 الإجماع

 أجمعت الأمة على وجوب العدة على المطلقة، والمتوفي والمفقود زوجها.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (العدد ليست من باب العبادات المحضة، فإنها تجب في حق الصغيرة والكبيرة، والعاقلة والمجنونة، والمسلمة والذمية، ولا تفتقر إلى نية).

حِكَم وعلل مشروعية العدة

للعدة حِكَم عدة، وتعليلات كثيرة تختلف باختلاف سبب العدة، ودين المعتدة، ونحو ذلك، وفي الجملة فقد شرعت العدة للحِكَم الآتية:

1. حق لله عز وجل، بامتثال أمره.

2. وحق للزوج، بإعطائه فرصة للمراجعة، وتقديراً لمكانته عند المرأة.

3. وحق للزوجة، وهو النفقة، والسكنى أثناء العدة.

4. تبرئة الرحم حتى لا تختلط الأنساب.

5. للتأكد من وجود الولد أم لا.

بِمَ تُحصى العدة؟

يختلف ذلك باختلاف حال النساء وسبب العدة.

فتحصى العِدَّة بـ:

1. الأقراء لمن كانت تحيض، فعدتها ثلاثة قروء، سواءً كان طهراً أو حيضاً حسب اختلاف أهل العلم في ذلك.

2. الشهور لمن كانت لا تحيض إما لصغر أوليأس منه، فعدتها ثلاثة أشهر قمرية.

3. وضع الحمل لمن كانت حاملاً، سواءً كانت عدة طلاق أووفاة.

4. أربعة أشهر وعشراً للمتوفي عنها غير الحامل.

5. امرأة المفقود، وتحصى عدتها بالسنوات والأشهر القمرية.

الأقراء، هل هي الحيض أم الأطهار؟

لأهل العلم في تأويل الأقراء في قوله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" قولان هما:

1. الأقراء هي الحيض.

2. الأقراء هي الأطهار.

والقولان متكافئان من ناحية اللغة، لأن الأقراء من الأضداد يطلق على الحيض ويطلق على الأطهار، وكذلك من ناحية الأدلة، وذهب إلى لكل واحد من القولين طائفة من علماء الأمة المقتدى بهم من لدن الصحابة ومن بعدهم، وهذا من باب اختلاف التنوع الذي لا ينبغي لأحد أن يثرب فيه على أحد وأن كان أحد القولين أرجح من الآخر.

لقد توسع العلامة ابن القيم في مناقشة ذلك وأتى بأدلة الفريقين وناقشها نقاشاً مستفيضاً وانتصر إلى أن المراد بالأقراء الحيض، فمن أراد التوسع فليرجع لزاد المعاد.

مَنْ ذهب إلى أن المراد بالأقراء الحيض

ذهب إلى هذا القول من الصحابة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبو موسى، وعبادة بن الصامت، وأبوالدرداء، وابن عباس، ومعاذ بن جبل؛ وهو قول أصحاب ابن مسعود كما قال ابن القيم: علقمة، والأسود، وإبراهيم، وشُريح؛ وأصحاب ابن عباس: سعيد بن جبير، وطاوس؛ وقول الشعبي، والحسن، وقتادة؛ وقول أئمة الحديث: إسحاق بن راهويه، وأبو عبيدة القاسم، وإحدى الروايات لأحمد، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه.

مَنْ ذهب إلى أن المراد بالأقراء الأطهار

من الصحابة: عائشة، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وفقهاء المدينة السبعة، وأبان بن عثمان، والزهري؛ ومن الأئمة المقتدى بهم: مالك، والشافعي، ورواية عن أحمد، وهومذهب الظاهرية رحمهم الله.

قال القرطبيرحمه الله: (واختلف العلماء في الأقراء فقال أهل الكوفة: هي الحيض، وهو قول عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي موسى، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وعكرمة، والسُّدي.

وقال أهل الحجـاز: هي الأطهار، وهو قول عائشة، وابن عمـر، وزيد بن ثابت، والزهـري، وأبان بن عثمان، والشافعي؛ فمن جعل القرء اسماً للحيض سماه بذلك، لاجتماع الدم بالرحم، ومن جعله اسماً للطهر فلاجتماعه في البدن.

إلى أن قال:

واتفقوا على أن القرء الوقت، فإذا قلت: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة أوقات"، سارت الآية مفسرة في العدد، محتملة في المعدود، فوجب طلب البيان للمعدود من غيرها، فدليلنا قول الله تعالى: "فطلقوهن لعدتهن"، ولا خلاف أنه يأمر بالطلاق وقت الطهر فيجب أن يكون هو المعتبر في العدة، فإنه قال: "فطلقوهن" يعني وقتاً تعتد به، ثم قال تعالى: "واحصوا العدة" يريد ما تعتد به المطلقة وهو الطهر الذي تطلق فيه، وقال صلى الله عليه وسلم: "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض، ثم تطهر، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" أخرجه مسلم وغيره؛ وهو نص في أن زمن الطهر هو الذي يسمى عدة، وهو الذي تطلق فيه النساء.

ولا خلاف أن من طلق في حال الحيض لم تعتد بذلك الحيض، ومن طلق في حال الطهر فإنه تعتد عند الجمهور بذلك الطهر، فكان ذلك أولى.

وقال الشيخ البسام حفظه الله: أما تفسير الأقراء المذكور في قوله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"، فقد اختلف العلماء في ذلك سلفاً وخلفاً على قولين:

أحدهما: أن المراد بالأقراء الأطهار، قالت عائشة إنما الأقراء الأطهـار؛ وقال الإمـام مالك عن ابن شهاب سمعت أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: ما أدركت أحداً من فقهائنا إلاَّ وهو يقول ذلك.

وهو مـروى عن ابن عبـاس، وزيد بن ثـابت، وسـالـم، والقـاسـم بن محمـد، وعـروة وأبي بكر بن عبد الرحمن، وقتادة والزهري، وبقية الفقهاء السبعة وغيرهم، وهو مذهب مالك، والشافعي، وداود، وأبي ثور، ورواية عن أحمد.

الثاني: أن المراد بالأقراء: هي الحيض، فلا تنقضي العدة حتى تطهر من الحيضة الثالثة وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد.

قال القاضي: الصحيح عن أحمد أن الأقراء هي الحيض وإليه ذهب أصحابنا.

إلى أن قال: أما دليل من يرى أن ـ القرء ـ هو الحيض قوله تعالى: "واللائي يئسن من المحيض" الآية، فقد شرع الله تعالى الاعتداد عند عدم الحيض بالأشهر، مما يدل على أن الأصل الحيض، ولأن المعهود في لسان الشارع استعمال القرء بعد الحيض، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "تدع الصلاة أيام قرئها" رواه أبو داود، وبما رواه النسائي من حديث فاطمة بنت أبي حبيش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "إذا أتى قرؤك فلا تصلي، وإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء"، ولأن ظاهر قوله تعالى: "يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" وجوب التربص ثلاثة كاملة، ومن جعل القروء الأطهار يكتفى بطهرين، وبعض الثالث فيخالف ظاهر النص والله أعلم).

ثمرة الخلاف في تفسير القروء

أجمع العلماء على أن من طلقت وهي حائض لا تعتد بهذه الحيضة، ثم اختلفوا، فمن قال: إن الأقراء هي الأطهار فإن طلقها في طهر ما لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه ولو ساعة أولحظة، ثم تضيف إليه طهرين، فإن رأت الحيضة الثالثة انقضت عدتها.

ومن قال إن الأقراء هي الحيض وطلقت وهي طاهر انتظرت حتى تحيض ثلاثة حيض، فإذا طهرت بعد الثالثة انقضت عدتها.

قال القرطبي: (فإن طلق الرجل في طهر لم يطأ فيه اعتدت بما بقي منه، ولو ساعة ولو لحظة، ثم استقبلت طهراً ثانياً بعد حيضة، ثم ثالثاً بعد حيضة ثانية، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة حلت واعتدت بما بقي من ذلك الطهر؛ وقال الزهري في امرأة طلقت في بعض طهرها: إنها تعتد بثلاثة أطهار سوى بقية ذلك الطهر؛ قال أبوعمر: لا أعلم احداً ممن قال: الأقراء الأطهار، يقـول هذا غير ابن شهاب الزهري، فإنه قال: تلقي الطهر الذي طلقت فيه، ثم تعتد بثلاثة أطهار، لأن الله عز وجل يقول: "ثلاثة قروء".

قلت: فعلى قوله لا تحل المطلقة حتى تدخل في الحيضة الرابعة، وقول ابن القاسم، ومالك، وجمهور أصحابه، والشافعي، وعلماء المدينة: أن المطلقة إذا رأت أول نقطة من الحيضة الثالثة خرجت من العصمة، وهو مذهب زيد بن ثابت، وعائشة، وابن عمـر، وبه قـال أحمد بن حنبـل، وإليه ذهب داود بن علي وأصحابه، والحجة على الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في طلاق الطاهر من غير جماع، ولم يقل أول الطهر ولا آخره.

وقال أشهب: لا تنقطع العصمة والميراث حتى يتحقق أنه دم حيض، لئلا تكون دفعة دم من غير حيض.

إلى أن قال: وقال بعض من يقول بالحيض: إذا طهرت من الثالثة انقضت العدة بعد الغسل،  وحلت الرجعة قاله سعيد بن جبير، وطاوس، وابن شبرمة، والأوزاعي، وقال شريك: إذا فرطت المرأة في الغسل عشرين سنة فلزوجها عليها الرجعة ما لم تغتسل).

السنة أن تطلق المرأة في طهر لم تمسَّ فيه، فإن طلقها وهي حائض فهذا طلاق بدعي، ولكنه يقع، وعليه أن يؤمر بمراجعتها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن شاء أمسك وإن شاء طلق.

وكذلك يكره أن يطلقها وهي حامل  لئلا تطول عليها العدة مع وقوع الطلاق.

وهذا كله يرجح قول من قال المراد بالقروء الطهر، والله أعلم.

أنواع العِدد

أولاً: عدة المطلقة الحرة

أ. المطلقة غير المدخول بها

إذا عقد الرجل على المرأة ولم يدخل ولم يَخلُ بها، ثم طلقها، فليس له عليها عدة ولا رجعة، إلاَّ بخطبة وعقد جديدين.

وليس لها عليه نفقة، ولا سكنى، وليس بينهما توارث، وله أن يمتِّعها بما شاء من المال والملابس، إن لم يكن سمى لها صداقاً فإن سمى لها صداقاً فله نصفه، ودليل ذلك قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحاً جميلاً" .

قال القرطبي: (فالمطلقة إذا لم تكن ممسوسة لاعدة عليها بنص الكتاب، وإجماع الأمة على ذلك، فإن دخل فعليها العدة إجماعاً.

إلى أن قال: هذه الآية مخصصة لقوله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"، ولقوله: "واللائي يئسن من المحيض من نسائكم فعدتهن ثلاثة أشهر".

إلى أن قال: قوله تعالى: "فمتعوهن"، قال سعيد: هي منسوخة بالآية التي في البقرة، وهي قوله: "وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم"، أي فلم يذكر المتعة).

ب. المطلقة المدخول بها

المطلقة المدخول بها أوإذا خلا بها تجب عليها العدة، سواء كانت هذه الفرقة بطلاق، أوخلع، أوفسخ، أونكاح فاسد كمن تزوج من غير ولي، ولا تجب في نكاح باطل لمن تزوج بخامسة إلاَّ بوطء، سواءً بذلك كانت الطلقة رجعية أوبائنة.

فإن كانت المفارقة حاملاً فبوضع حملها ولو وضعت بعد ساعة من طلاقها، وإن كانت ممن تحيض فعدتها ثلاثة قروء، وإن كانت صغيرة أويائسة فعدتها ثلاثة أشهر.

وإليك تفصيل ذلك من بعض أقوال أهل العلم:

1.  الحامل

عدتها من وفاة أو طلاق أو فسخ وضع حملها.

قال في نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب: (الحامل وعدتها من وفاة، أوطلاق، أوفسخ وضع ما يتبين فيه خلق إنسان، ولو خفياً، مسلمة كانت أوكافرة، وأقل مدة الحمل ستة أشهر منذ نكاحها، وأمكن اجتماعه بها، فلو أتت به بدون ذلك وعاش لم تنقض به عدتها من زوجها، لعدم لحوقه به، وغالب مدة الحمل تسعة أشهر؛ لأن غالب النساء يلدن فيها، واكثر مدة الحمل أربع سنين لأنها أكثر ما وجد).

و قال القرطبي رحمه الله: (ولا خلاف بين العلماء على أن أجل كُلِّ حامل مطلقة يملك الزوج رجعتها أولا يملك، حرة كانت أومُدَبَّرة أومكاتَبَة، أن تضع حملها).

وقال: (إذا وضعت المرأة ما وضعت من علقة، أومضغة حلت؛ وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا تحل إلاَّ بما يكون ولداً).

أقل الحمل وأكثره

أقل الحمل ستة أشهر لقوله تعالى: "وحمله وفصاله ثلاثون شهراً"، واختلف الناس في اكثر الحمل على أقوال، أشهر ما قيل فيه أربع سنوات هذا إذا تركت الحامل لحالها من غير وجع صناعي، أوفتح بطن، وقيل لا حدَّ لكثره.

قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: "الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الرحام وما تزداد وكل شيءٍ عنده بمقدار": (في هذه الآية دليل على أن الحامل قد تضع حملها لأقل من تسعة أشهر وأكثر، وأجمع العلماء على أن اقل الحمل ستة أشهر، وأن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر.

وهذه الأشهر هي بالأهلة كسائر أشهر الشريعة، ولهذا قد روي في المذهب عن بعض أصحاب مالك، وأظنه في كتاب ابن الحارث أنه إن نقص عن الأشهر الستة ثلاثة أيام فإن الولد يلحق لعلة نقص الشهر وزيادتها، حكاه ابن عطية.

واختلف العلماء في أكثر الحمل، فروى ابن جريج عن جميلة بنت سعد، وعن الليث بن سعد عن عائشة قالت: إن أكثره ثلاثة سنين؛ وعن الشافعي أربع سنين.

وروي عن مالك في إحدى روايتيه  والمشهور عنه خمس سنين، وروي عنه لا حد له ولو زاد على العشرة أعوام، وهي الرواية الثالثة عنه، وعن الزهري ست وسبع؛ قال أبو عمر - ابن عبد البر -  ومن الصحابة من يجعله إلى سبع؛ والشافعي مدة الغاية منها أربع سنين؛ والكوفيون يقولون: سنتان لا غير؛ ومحمد بن عبد الحكم يقول: سنة لا أكثر؛ وداود يقول: تسعة أشهر، لا يكون عنده حمل أكثر منها؛ قال أبو عمر: وهذه مسألة لا أصل لها إلاَّ الاجتهاد، والرد على ما عرف من أمر النساء، وبالله التوفيق.

روى الدار القطني عن الوليد بن مسلم: قال: قلت لمالك بن أنس إني حدثتُ عن عائشة أنها قالت: لا تزيد المرأة في حملها على سنتين، قدر ظل المغزل؛ فقال: سبحان الله! من يقول هذا؟! هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان تحمل وتضع في أربع سنين، امرأة صدق، وزوجها رجل صدق، حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، تحمل كل بطن أربع سنين؛ وذكره عن ابن المبارك عن ابن مجاهد قال: مشهور عندنا كانت امرأة محمد بن عجلان تحمل وتضع في أربع سنين، وكانت تسمى حاملة القيل.

وروي أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، إني غبتُ عن امرأتي سنتين، وهي حبلى، فشاور عمر الناس، فقال معاذ بن جبل: يا أمير المؤمنين! إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل، فاتركها حتى تضع؛ فتركها فوضعت غلاماً قد خرجت ثناياه، فعرف الرجل الشبه، فقال: ابني ورب الكعبة! فقال عمر: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ لهلك عمر.

وقال الضحاك: وضعتني أمي وقد حملت بي في بطنها سنتين، فولدتني وقد خرجت سني؛ ويذكر عن مالك أنه حمل به في بطن أمه سنتين، وقيل ثلاث سنين، ويقال: إن محمد بن عجلان مكث في بطن أمه ثلاث سنين، فماتت به وهو يضطرب اضطراباً شديداً، فشق بطنها وأخرج وقد نبتت أسنانه.

وقال حماد بن سلمة: إنما سمي هَرِم بن حيان هرماً لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين، وذكر الغزنوي أن الضحاك ولد لسنتين، وقد طلعت سنه فسمي ضحاكاً؛ عباد بن العوام قال: ولدت جارة لنا لأربع سنين غلاماً شعره إلى شغره إلى منكبيه، فمر به طير فقال: كش) .

إذا أسقطت الحامل ما في بطنها بشرب دواء ونحوه هل تنقضي عدتها؟ أم لا؟

لا يجوز لمعتدة أن تشرب دواء لتطويل مدة الحيض أوتقصيرها، أولقطعه، ولا يجوز لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسقط ما في بطنها سواء كان نطفة أوتخلق، أثبت الأطباء أنه مشوه أم لا.

ولا يحل إسقاط الجنين إلا إذا أثبت الأطبة الثقات أن في وجوده خطراً على حياة أمه.

لقد رخص بعض الفقهاء من الشافعية والحنابلة في إسقاط الجنين قبل التخلق، أي دون مائة وعشرين يوماً، سيما إذا أثبتت الفحوصات المختبرية أنه مشوه الخلقة، وأجازت ذلك هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، مع بعض التحوطات.

وهذا قول ضعيف، وفيه تجن على خلق من خلق الله عز وجل.

قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (وقد رخص طائفة من الفقهاء للمرأة في إسقاط ما في بطنها ما لم ينفخ فيه الروح، وجعلوه كالعزل، وهو قول ضعيف، لأن الجنين ولد وانعقد، وربما تصور، وفي العزل لم يوجد ولد بالكلية، وإنما تسبب إلى منع انعقاده، وقد لا يمتنع انعقاده إذا أراد الله خلقه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن العزل: "لا عليكم أن لا تعزلوا، إنه ليس من نفس منفوسة إلا الله خالقها".

وقد صرح أصحابنا بأنه إذا صار الولد علقة لم يجز للمرأة إسقاطه، لأنه ولد انعقد بخلاف النطفة، فإنها لم تنعقد بعد، وقد لا تنعقد أبداً).

ولأنه ورد في بعض روايات حديث بن مسعود رضي الله عنه أن الجنين يمكن أن يتخلق في العلقة وتنفخ فيه الروح.

أقل ما تنقضي به العدة من الحمل

أقل ما تنقضي به العدة وتعتق به أم الولد المضغة المخلقة، إذا دخل في العقد الثالث من أطواره، وأقل ذلك أن يكون عمر السقط واحداً وثمانين يوماً.

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: (وقد روي من وجه آخر عن ابن مسعود أن لا تصوير قبل ثمانين يوماً.

إلى أن قال:

وقد أخذ طوائف من الفقهاء بظاهر هذه الرواية، وتأولوا حديث ابن مسعود المرفوع عليها، وقالوا أقل ما يتبين خلق الولد أحد وثمانون يوماً، لأنه لا تكون مضغة إلا في الأربعين الثالثة، ولا يتخلق قبل أن يكون مضغة.

وقال أصحابنا وأصحاب الشافعي بناء على هذا الأصل: إنه لا تنقضي العدة، ولا تعتق أم الولد إلا بالمضغة المخلقة، وأقل ما يمكن أن يتخلق أويتصور في أحد وثمانين يوماً.

وقال أحمد في العلقة: هي دم لا يستبين فيها الخلق، فإن كانت المضغة غير مخلقة فهل تنقضي بها العدة؟ وتصير أم الولد بها مستولدة؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، وإن لم يظهر فيها التخطيط، ولكن كان خفياً لا يعرفه إلا أهل الخبرة من النساء، فشهدن بذلك، قبلت شهادتهن، ولا فرق بين أن يكون بعد تمام أربعة أشهر أوقبلها عند أكثر العلماء، ونصَّ على ذلك الإمام أحمد في رواية خلق من أصحابه، ونقل عنه ابنه صالح في الطفل في الأربعة يتبين خلقه.

قال الشعبي: إذا نكِّس في الخلق الرابع، كان مخلقاً، انقضت به العدة، وعتقت به الأمة، إذا كان لأربعة أشهر؛ وكذا نقل عنه حنبل: إذا أسقطت أم الولد، فإن كان خلقه تاماً عُتقت، وانقضت به العدة إذا دخل في الخلق الرابع في أربعة أشهر ينفخ فيه الروح، وهذا يخالف رواية الجماعة عنه.

وقد قال أحمد في رواية عنه: إذا تبين خلقه، ليس فيه اختلاف أنها تعتق بذلك إذا كانت أمة، ونقل عنه جماعة أيضاً في العلقة إذا تبين أنها ولد أن الأمة تعتق بها، وهو قول النخعي، وحُكي قولاً للشافعي، ومن أصحابنا من طرد هذه الرواية عن أحمد في انقضاء العدة أيضاً، وهذا كله مبني على أنه يمكن التخلق في العلقة).

2.  المعتدة بالحيض

أقل مدة تنقضي بها عدة الحائض

اختلف أهل العلم في ذلك على أقوال هي:

  • شهر: وقد روي هذا عن شريح واستحسنه علي رضي الله عنه، وقال به عدد من أهل العلم.

  • شهر ونصف: وهو قول للمالكية.

  • سبعة وأربعون يوماً: وهذا مذهب أبي ثور.

  • ستون يوماً: وهذا مذهب أبي حنيفة وقول للشافعي.

قال القرطبي: (قال ابن المنذر: وقال كل من حفظت عنه من أهل العلم: إذا قالت المرأة في عشرة أيام: قد حضتُ ثلاث حيض وانقضت عدتي؛ أنها لا تصدق ولا يُقبل ذلك منها، إلا أن تقول: قد أسقطتُ سقطاً قد استبان خلقه.

واختلفوا في المدة التي تصدق فيها المرأة، فقال مالك: إذا قالت انقضت عدتي في أمد تنقضي في مثله العدة قبل قولها، فإن أخبرت بانقضاء العدة في مدة تقع نادراً فقولان، قال في المدونة: إذا قالت حضت ثلاث حيض في شهر صُدِّقت إذا صدقها النساء، وبه قال شريح، وقال له علي بن أبي طالب: "قالون"، أي أصبت وأحسنت، وقال في كتاب محمد: لا تصدق إلا في شهر ونصف، ونحوه قول أبي ثور، قال أبو ثور: أقل ما يكون ذلك في سبعة وأربعين يوماً، وذلك أن أقل الطهر خمسة عشرة يوماً، وأقل الحيض يوم.

وقال النعمان – أبو حنيفة -: لا تصدق في أقل من ستين يوماً؛ وقال به الشافعي).

3. عدة المرتابة

الارتياب قد يكون بانقطاع الدم، أوباشتباه الحمل، أوبالاستحاضة، ونحوه؛ انقطاع الدم إما أن يكون:

1. ليأس، فهذه تعتد بالشهور وتلغي ما اعتدته بالحيض إذا كان دون الثلاثة.

2. لمرض، فلها أن تعالج ذلك وتنتظر حتى تقضي ثلاثة قروء طالت المدة أم قصرت.

3. لا تدري سبب الانقطاع، وهي شابة لم تقارب سن اليأس، فعدتها سنة، تسعة أشهر استبراء، وثلاثة أشهر عدة.

قال القرطبي: (المرتابة في عدتها لا تنكح حتى تستبرئ نفسها من ريبتها، ولا تخرج من العدة إلا بارتفاع الريبة، وقد قيل في المرتابة التي رفعت حيضتها وهي لا تدري ما رفعها أنها تنتظر سنة من يوم طلقها زوجها، منها تسعة أشهر استبراء، وثلاثة عدة، فإن طلقها فحاضت حيضة أوحيضتين ثم ارتفع عنها بغير يأس منها انتظرت تسعة أشهر، ثم ثلاثة من يوم طهرت من حيضتها ثم حلت للأزواج؛ وهذا قول الشافعي بالعراق، وعلى قياس هذا، وروي عن الشافعي أن أقراءها على ما كانت حتى تبلغ سن اليائسات، وهو قول النخعي والثوري وغيرهما، وحكاه أبو عبيد عن أهل العراق.

إلى أن قال:

وأما من تأخر حيضها لمرض، فقال مالك وابن القاسم وعبد الله بن أصبغ: تعتد تسعة أشهر ثم ثلاثة، وقال أشهب: هي كالمرضع بعد الفطام بالحيض أوبالسَّنة).

من ارتابت بشبهة حمل

من ارتابت بشبهة حمل لأهل العلم فيها قولان:

1. تعتد بسنة، تسعة للحمل وثلاثة للعدة، وهذا القول أقيس.

2. تعتد بثلاثة قروء.

قال القرطبي: (فإن كانت المرأة شابة، استؤنى بها هل هي حامل أم لا؟ فإن استبان حملها فإن أجلها وضعه، وإن لم يستبن فقال مالك: عدة التي ارتفع حيضها وهي شابة سنة؛ وبه قال أحمد وإسحاق، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره، وأهل العراق – الأحناف - يرون أن عدتها ثلاثة حيض، بعدما كانت حاضت مرة واحدة في عمرها، وإن مكثت عشرين سنة، إلى أن تبلغ من الكبر مبلغاً تيأس فيه من الحيض، فتكون عدتها بعد الإياس ثلاثة أشهر؛ قال الثعلبي: وهذا الأصح من مذهب الشافعي وعليه جمهور العلماء، وروي ذلك عن ابن مسعود وأصحابه، قال الكيَّا: وهو الحق، لأن الله تعالى جعل عدة الآيسة ثلاثة أشهر، والمرتابة ليست آيسة).

قلت: ما قاله أهل العراق ومن وافقهم فيه إجحاف بالمرأة وظلم، والقول الأول وهو أن تجلس سنة فيه تبرأة للرحم، واطمئنان إلى عدم وجود ولد، وفيه رفق بالمرأة حتى إذا أرادت الزاوج كانت لها فرصة الإنجاب، أما القول الثاني فإنه يحرم المرأة من الزواج في الغالب ومن الإنجاب قطعاً.

من لا تحيض وهي مرضع

من عادة بعض النساء أنها لا تحيض وهي ترضع، فإن كانت ممن تحيض فعدتها ثلاثة قروء بعد حيضتها، وإن كانت ممن يعتددن بالشهور لصغر أونحوه فتجلس سنة كاملة.

قال القرطبي: (وقد طلق حبََّان بن منقذ امرأته وهي ترضع، فمكثت سنة لا تحيض لأجل الرضاع، ثم مرض حبَّان فخاف أن ترثه فخاصمها إلى عثمان وعنده علي وزيد - رضي الله عنهم - فقالا: نرى أن ترثه، لأنها ليست من القواعد، ولا من الصغار، فمات حبَّان فورثته واعتدت عدة الوفاة).

المرتابة باستحاضة

لأهل العلم في عدة المستحاضة ثلاثة أقوال هي:

1. عدتها سنة: وهذا مذهب ابن المسيب، ومالك، والليث بن سعد.

2. عدتها ثلاثة أشهر.

3. عدتها ثلاثة قروء: إن كانت تعلم موعد حيضها وطهرها قبل الاستحاضة.

قال القرطبي: (وأما التي تجهل حيضها بالاستحاضة ففيها ثلاثة أقوال، قال ابن المسيب: تعتد بسنة؛ وهو قول الليث، قال الليث: عدة المطلقة وعدة المتوفي عنها زوجها إذا كانت مستحاضة سنة؛ وهو مشهور قول علمائنا، سواءً علمت دم حيضها من دم استحاضتها وميزت ذلك أولم تميزه،عدتها في ذلك كله عند مالك في تحصيل مذهبه سنة، منها تسعة أشهر إستبراء وثلاثة عدة.

وقال الشافعي في أحد قوليه: عدتها ثلاثة أشهر؛ وهو قول جماعة من التابعين والمتأخرين من القرويين، قال ابن العربي: وهو الصحيح عندي؛ وقال أبو عمر - ابن عبد البر -: المستحاضة إذا كان دمها متصل فعلمت اقبال حيضتها أوادبارها اعتدت ثلاثة قروء؛ وهذا أصح في النظر وأثبت في القياس والأثر).

وما قاله ابن عبد البر ورجحه القرطبي هو الراجح أن شاء الله.

عدة الصغيرة إذا رأت الدم

إذا شرعت الصغيرة في العدة بالشهور ثم رأت الدم ألغت ما مضى من عدتها بالشهور إذا لم تكمل ثلاثة أشهر، وشرعت في العدة بالأقراء.

أقل سن للحيض، واليأس

أقل سن للحيض سن التاسعة، فإن رأت الدم قبل التاسعة فليس بحيض، اما إذا رأته بعد سن التاسعة فهو حيض؛ والحيض المعتبر هو ما تكرر ثلاثة مرات فأكثر.

أما اليأس فليس له حد ويختلف باختلاف النساء والبيئات.

قال الإمام الشافعي رحمه الله: رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة.

إن بلغت سن الخامسة عشر ولم تحض

قولان لأهل العلم:

1. تعتد بالشهور لظاهر قوله تعالى: "واللاَّئي لم يحضن"، وهذا مذهب الجمهور، وهذا الراجح.

2. تعتد عدة المرتابة سنة كاملة.

قال ابن قدامة: (فإن بلغت سناً تحيض فيه النساء في الغالب فلم تحض لخمس عشرة سنة، فعدتها ثلاثة أشهر في ظاهر قول الخرقي، وهو قول أبي بكر، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وضعف أبو بكر الرواية المخالفة لهذا، وقال: رواها أبو طالب فخالف فيها أصحابه، وذلك ما روى أبو طالب عن أحمد تعتد سنة، قال القاضي: هذه الرواية أصح؛ لأنه متى أتى عليها زمان الحيض فلم تحض صارت مرتابة، يجوز أن يكون بها حمل منع حيضها فيجب أن تعتد بسنة).

ثانياً: عدة المطلقة الأمَة، وأم الولد

تمهيد

لله در الإمام أبو الحسن الماوردي حين قال في كتابه أدب الدين والدنيا: (ليس دين زال سلطانه إلاَّ بدلت أحكامه، وطمست أعلامه، وكان لكل زعيم فيه بدعة، ولكل عصر فيه وَهْية أثر).

تذكرت تلك الكلمة المضيئة وأنا أريد أن أتحدث عن أحكام عدة الأمة حيث أضحى كثير من المسلمين يستهجن ذكر أي حكم متعلق بالمماليك وذلك لأسباب منها:

1. الخلط بين الرق الشرعي والرق الاجتماعي.

2. ترك المسلمين للجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام بعد أن ركنوا إلى الدنيا.

3. غياب الإسلام عن الحكم واستبدال المسلمين للذي هو أدنى بالذي هو خير.

4. الجهل الفاضح بأبجديات هذا الدين وخلوده.

لهذا يتحتم عليَّ أن أعرِّف الرق الشرعي ليفرق الناس بينه وبين الرق الاجتماعي الذي شرعه في العصر الحديث الأمريكان والأوربيون، وجاراهم في ذلك بعض المسلمين.

يعرف العلماء الرق: بأنه عجز حكمي سببه الكفر، فلا علاقة بين اللون والمستوى المعيشي وبين الرق.

فإذا خرج المسلمون لجهاد الطلب الذي هو أسُّ الجهاد، لمجاهدة من يحول بين الخلق وبين الدخول في الإسلام من الطغاة، والجبابرة، والمترفين، فمن قبل الإسلام فله ما للمسلمين من الحقوق وعليه ما عليهم من الواجبات؛ ومن أبى الإسلام أخذت منه الجزية إن كان من الكفار الكتابيين اليهود والنصارى أوالمجوس؛ ومن رفض الإسلام والجزية قوتل، فمن قتل فهو في النار ومن أسِر فهو رقيق مملوك، ولإمام المسلمين قتله في الحال، وإن امتنَّ عليه بالأسر فهو مملوك وإن أسلم بعد ذلك، إلآَّ أن يعتق أويكاتب سيده.

وعليه فالذي يظهر لي أنه ليس هناك رق شرعي في هذا العصر، لترك المسلمين الجهاد منذ أمد، اللهم إلاَّ أن يكون متوارثاً عن الأجداد.

أما من يطلق عليهم بعض من لا يعرف الشرع بأنهم رقيق فهذا من باب الخطأ والظلم البين، فلا ينبغي أن يتحمل الإسلام أخطاء غيره.

ولكن هذا لا يعني أن نسكت عن بيان الأحكام المتعلق بالأرقاء، ذكوراً كانوا أم إناثاً، في الإمامة، والعتق، والعدة، ونحو ذلك، كما بينها سلفنا الصالح في مصنفاتهم، كما وردت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فمن تعقد من ذكر ذلك فقد أوتي من جهله بالإسلام، وانهزامه، واستكانته، وعليه أن يراجع دينه وإيمانه.

بعد هذا التمهيد نرجع إلى موضوعنا وهو عدة المطلقة إن كانت من الإماء، أوأمهات الأولاد، فنقول:

الأمة المطلقة لها حالان

1. إما أن تكون ممن تحيض، فعدتها على النصف من عدة الحرة وهي قرءان؛ لأن القرء لا يتجزأ في أرجح قولي العلماء، وهو الذي عله عامة السلف والخلف.

2. وإما أن تكون ممن لا تحيض لصغر أوليأس فعدتها شهر ونصف وقيل شهران.

وقد ذهبت طائفة من أهل العلم منهم الظاهرية إلى أن عدة الأمة مثل عدة الحرة تماماً، وهذا قول مرجوح، ومصادم لظاهر النصوص ولإجماع الأمة.

الأدلة على ذلك

1. ما روته عائشة رضي الله عنها ترفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان"42.

2. وقال عمر: "عدة الأمة حيضتان، نصف عدة الحرة، ولو قدرت على أن أجعلها حيضة ونصف لفعلت"، وكان ذلك بحضرة الصحابة فلم ينكر عليه منهم أحد.

3. وعن ابن عمر: أيهما رق نقص طلاقه، ذكراً كان أم انثى.

4. إجماع العامة من أهل العلم على ذلك.

أقوال العلماء في عدة الأمة

قال ابن قدامة بعد أن ذكر أثر عمر السابق: (فدل على انه إجماع منهم، وهو قول عشرة من الصحابة منهم الخلفاء الأربعة، وحسبك ما قالوا.

إلى أن قال: والجمهور من العلماء على أن عدة الأَمة التي تحيض من طلاق زوجها حيضتان، وروي عن ابن سيرين أنه قال: ما أرى عدة الأمة إلآَّ كعدة الحرة، إلآَّ أن تكون مضى في ذلك سنة، فإن السنة أحق أن نتبع.

وقال الأصم عبد الرحمن بن كيسان، وداود بن علي - الظاهري - وجماعة من أهل الظاهر: إن الآيات في عدة الطلاق والوفاة بالأشهر والأقراء عامة في حق الأمة والحرة، فعدة الأمة والحرة سواء).

وقال الخرقي في مختصره: (والأمة شهران، أي عدتها بالأشهر، قال ابن قدامة في شرح ما قال الخرقي:  اختلفت الروايات عن أبي عبد الله في عدة الأمة، فأكثر الروايات عنه، أنها شهران، رواه عنه جماعة من أصحابه، واحتج فيه بقول عمر رضي الله عنه: عدة أم الولد حيضتان ولو لم تحض كان عدتها شهرين، رواه الأثرم عنه بإسناده، وهذا قول عطاء، والزهري، وإسحاق، وأحد أقوال الشافعي؛ لأن الأشهر بدل القروء، وعدة ذات القروء قرءان، فبدلهما شهران، ولأنها معتدة بالشهور من غير الوفاة، فكان عددها كعدد القروء، لو كانت ذات قروء كالحرة.

والرواية الثانية: أن عدتها شهر ونصف نقلها الميموني، والأثرم، واختارها أبو بكر، وهذا قول علي رضي الله عنه، وروي ذلك عن ابن عمر، وابن المسيب، وسالم، والشعبي، والثوري، وأصحاب الرأي، وهو قول ثانٍ للشافعي؛ لأن عدة الأمة نصف عدة الحرة، وعدة الحرة ثلاثة أشهر، فنصفها شهر ونصف.

إلى أن قال:

والرواية الثالثة: أن عدتها ثلاثة أشهر؛ روي ذلك عن الحسن، ومجاهد، وعمربن عبد العزيز، والنخعي، ويحي الأنصاري، وربيعة، ومالك، وهو القول الثالث للشافعي لعموم قوله تعالى: "فعدتهن ثلاثة أشهر").

وقال ابن القيم: (ولا نعرف التسوية بين الحرة والأمة في العدة عن أحد من السلف إلآَّ محمد بن سيرين، ومكحول؛ فأما ابن سيرين فلم يجزم بذلك، وأخبر به عن رأيه، وعلق القول به على عدم سنة تتبع، وأما قول ابن مسعود فلم يذكر له سند).

عدة الزانية إذا أرادت الزواج

لا يصح زواج الزانية إلآَّ بشروط هي:

1. التوبة النصوح، فالإسلام يجب ما قبله والتوبة تجب ما قبلها، وقد نهى الله عز وجل عن نكاح الزانية غير التائبة بقوله: "الزانية لا ينكحها إلآَّ زانٍ أومشرك وحرم ذلك على المؤمنين".

2. بوضع حملها إن كانت حاملاً، حرة كانت أم أمة.

وإن لم تكن حاملاً فقد اختلف فيها العلماء على قولين هما:

1. تعتد بثلاثة قروء إن كانت من ذوات الأقراء، أو بثلاثة شهور إن كانت صغيرة لا تحيض أوكبيرة انقطع دمها، وهذا مذهب مالك، ورواية عن أحمد.

2. تعتد بحيضة واحدة وهذا مذهب الجمهور.

قال الشيخ البسام في اختياراته الجلية: (اختلف العلماء في الزانية غير الحامل هل تجب عليها عدة أوتستبرأ بحيضة واحدة؟ فذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجب عليها عدة، وإنما تستبرأ بحيضة، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، وهي رواية عن أحمد، ويرى مالك استبراءها بثلاث حيض؛ واستدل هؤلاء بقوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش"، والدلالة فيه غير واضحة، وذهب الإمام أحمد في المشهور عنه إلى وجوب العدة عليها، وإن عدتها كعدة المطلقة، وهو قول الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، واختاره الشيخ تقي الدين - ابن تيمية -، وابن القيم، وشيخنا عبد الرحمن السعدي رحمهم الله، ودليل هذا القول العمومات الواردة في وجوب العدة من الوطء، يقتضي شغل الرحم فوجبت العدة منه كوطء الشبهة).

ثالثاً: عدة المتوفي عنها زوجها

1.  الحرة

عدة الوفاة تجب بالموت سواءً دخل بها أولم يدخل اتفاقاً، كما دل عليه عموم القرآن والسنة، واتفقوا على أنهما يتوارثان قبل الدخول، ولها كامل الصداق المسمى، وكذلك مهر المثل في أرجح قولي العلماء.

الحرة المتوفي عنها زوجها أما أن تكون:

1. حاملاً: فعدتها بوضع ما استبان من الحمل، ولو كان زوجها على سرير الموت لم يدفن بعد؛ وهناك قول مرجوح أنها تعتد بأطول الأجلين، وضع الحمل أوالأربعة أشهر وعشراً، وقد روي هذا القول عن علي، وابن عباس رضي الله عنهم؛ وقيل إن ابن عباس رجع لقول العامة.

2. غير حامل: فعدتها أربعة أشهر وعشراً، سواءً كانت ممن تحيض أولا تحيض.

هذا بعد أن كانت عدة المتوفي عنها زوجها سنة كاملة فقد خفف الله عليهن ورفق بهن.

2.  الأمَة وأم الولد

1. إن كانت إحداهما حاملاً فبوضع الحمل.

2. وإن كانت غير حامل فعدتها على النصف من عدة الحرة وهي شهران وخمسة أيام، وقيل كعدة الحرة.

الأدلة

1. قوله تعالى: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير".

2. حديث سبيعة الأسلمية، وقد ولدت بعد وفاة زوجها بنصف شهر، وقال البخاري بأربعين يوماً، فسألت الرسول صلى الله عليه وسلم قالت: " فأفتاني بأني قد حللت حين وضعتُ حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي".

أقوال العلماء في عدة المتوفي عنها زوجها

قال القرطبي رحمه الله: (عدة الحامل المتوفي عنها زوجها وضع حملها عند جمهور العلماء، وروي عن علي بن أبي طالب، وابن عباس أن تمام عدتها آخر الأجلين واختاره سحنون من علمائنا.

وقد روي عن ابن عباس أنه رجع عن هذا، والحجة لما روي عن علي، وابن عباس رَوْمُ الجمع بين قوله تعالى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً"، وبين قوله: "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن"، وذلك أنها إذا قعدت أقصى الأجلين فقد عملت بمقتضى الآيتين، وإن اعتدت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدة الوفاة، والجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول، وهذا نظر حسن لولا ما يعكر عليه من حديث سُبيعة الأسلمية: "أنها نفست بعد وفاة زوجها بليال.."، فبيَّن الحديث أن قوله تعالى: "وأولات الأحمال.." الآية محمول على عمومه في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن، وأن عدة الوفاة مختصة بالحائل من الصنفين.

إلى أن قال:

وقال ابن شهاب: ولا أرى بأساً أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها، غير أن زوجها لا يقربها حتى تطهر؛ وعلى هذا جمهور العلماء وأئمة الفقهاء، وقال الحسن، والشعبي، والنخعي، وحماد: لا تنكح النفساء ما دامت في دم نفاسها، فاشترطوا شرطين:

1. وضع الحمل.

2. والطهر من دم النفاس.

والحديث حجة عليهم).

وقال ابن القيم رحمه الله: (وأما عدة الوفاة، فتجب بالموت، سواء دخل بها أولم يدخل اتفاقاً، كما دل عليه عموم القرآن والسنة، واتفقوا على أنهما يتوارثان قبل الدخول، وعلى أن الصَّداق يستقر إذا كان مسمى، لأن الموت لما كان انتهاء العقد استقرت به الأحكام، فتوارثا، واستقر المهر، ووجبت العدة.

واختلفوا في مسألتين:

إحداهما: وجوب مهر المثل إذا لم يكن مسمى، فأوجبه أحمد، وأبوحنيفة، والشافعي في أحد قوليه، ولم يوجبه مالك والشافعي في القول الآخر، وقضى بوجوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في السنة الصحيحة الصريحة من حديث بَرْوَع بنت واشق، وقد تقدم، ولو لم ترد به السنة لكان هو محض القياس، لأن الموت أجري مجرى الدخول في تقرير المسمى، ووجوب العدة.

والمسألة الثانية: هل يثبت تحريم الربيبة بموت الأم كما يثبت بالدخول بها؟ وفيه قولان للصحابة، وهما روايتان عن أحمد.

والمقصــود أن العدة فيه ليست للعلم ببراءة الرحـــم، فإنها تجب قبل الدخول بخلاف عدة الطلاق).

عدة الوفاة تختص بأمرين عن عدة الطلاق

هما:

1. يجب على المتوفى عنها زوجها أن تعتد في المنزل الذي مات زوجها وهي فيه، ودليل ذلك من السنة: "امكثي في بيتك"، قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم للفريعة بنت مالك عندما مات زوجها، وفي لفظ: "اعتدي في البيت الذي جاء فيه نعي زوجك"، ولا يجوز لها أن تخرج منه إلا لضرورة قاهرة.

2.  وجوب الإحداد عليها.

وسنفصل في ذلك عند الحديث عن حكم الإحداد في العدة.

رابعاً: عدة المفقود زوجها

غياب الزوج على حالين:

الأولى: أن يكون معلوم الحياة، متصل الأخبار، معروف البلد والعنوان، مستمر في النفقة على زوجه، فهذا لا مجال لزوجته أن تطالب بفراقه إلا إذا تضررت من ذلك، وامتنع زوجها من الحضور أوأخذها معه، ورفعت أمرها إلى القاضي، كحال كثير من الأزواج الذين سافروا خارج البلاد واستمرأوا الجلوس هناك، فمنهم من يصل غيابه إلى عشرين سنة أويزيد أوينقص عن ذلك، بجانب أن هؤلاء أجرموا في حق زوجاتهم وأولادهم وعرضوهن للفتن، وعرضوا أنفسهم كذلك للفتن، فمن حق المرأة في هذه الحال أن ترفع أمرها إلى القاضي مخيرة له بين الحضور مباشرة أوالطلاق، وللقاضي أن يحدد مدة لذلك، وأن يجتهد أهله وغيرهم في تحريضه على المجيء، فإن تعذر ذلك حكم القاضي بطلاقها منه، ثم تعتد عدة الطلاق المعلومة، ولها أن تتزوج بعد ذلك إن شاءت.

الثانية: أن يكون مجهول المكان، مجهول الحياة، قاطعاً للأخبار والاتصال والنفقة، فحكمه حكم المفقود، ولزوجه الحق إذا أرادت الانفصال عنه والزواج من غيره، ولأهل العلم في ذلك ثلاثة أقوال، هي:

1. تجلس أربع سنين، ثم يطلقها وليه أوالقاضي، ثم تعتد عدة الوفاة، وهي أربعة أشهر وعشراً، ولها بعد ذلك أن تتزوج بمن تشاء، وإذا جاء زوجها الأول وقد تزوجت من ثانٍ خيِّر زوجها الأول بين أن ترد إليه وبين الصداق، مع تفصيل في ذلك لأهل العلم، وهذا أرجح الأقوال وأقيسها، وبهذا قضى الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون.

2. تجلس حتى يموت أقرانه وأنداده، ثم تطلق بعد ذلك وتعتد عدة الوفاة، ولها بعد ذلك أن تتزوج.

3. تجلس إلى أن يحضر أوتأتيها منيتها.

والقولان مضران بالمرأة أيما إضرار، وحارمان لها من الزواج، وقد نهى الشارع عن الضرر والإضرار، فقال: "لا ضرر ولا ضرار"، ولهذا فقد أوجب أهل العلم إزالة الضرر عن المتضرر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الصواب في امرأة المفقود مذهب عمر وغيره من الصحابة، وهي أنها تتربص أربع سنين، ثم تعتد للوفاة، ويجوز لها أن تتزوج بعد ذلك، وهي زوجة الثاني ظاهراً وباطناً، ثم إذا قدم زوجها الأول بعد تزوجها، خيِّر بين امرأته وبين مهرها، ولا فرق بين ما قبل الدخول وبعده، وهو ظاهر مذهب أحمد.

إلى أن قال: والتخيير فيه بين المرأة والمهر هو أعدل الأقوال).

وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: (ومما ظن أنه خلاف، ما حكم به الخلفاء الراشدون في امرأة المفقود، فإنه قد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أجَّل امرأته – أي المفقود – أربع سنين، وأمرها أن تتزوج – أي بعد عدة الوفاة – فقدم المفقود بعد ذلك فخيَّره عمر بين امرأته وبين مهرها، فذهب الإمام أحمد إلى ذلك، وقال: ما أدري من ذهب إلى غير ذلك إلى أي شيء يذهب؛ وقال أبو داود في مسائله: سمعت أحمد – وقيل له: في نفسك من المفقود؟ فقال: ما في نفسي منه شيء، هؤلاء خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمروها أن تتربص؛ قال أحمد: من ضيق علم الرجال أن لا يتكلم في امرأة المفقود.

وقد قال بعض المتأخرين من أصحاب أحمد: إن مذهب عمر في المفقود يخالف القياس، والقياس أنها زوجة القادم بكل حال.

وطائفة ثالثة أخذت ببعض قول عمر وتركوا بعضه، فقالوا: إذا تزوجت ودخل بها الثاني فهي زوجته، ولا ترد إلى الأول، وإن لم يدخل بها ردت إلى الأول).

وقال الماوردي رحمه الله وهو يتحدث عن امرأة المفقود وعدتها: (فأما زوجته إذا بعد عهده، وخفي خبره، ففيها قولان:

أحدهما: أنها تتربص أربع سنين بحكم حاكم ثم بحكم موته في حقها خاصة، ثم تعتد عدة الوفاة، أربعة أشهر وعشراً، فإذا انقضت فقد حلت للأزواج، وهو قوله – أي الشافعي – في القديم، وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم؛ ومن الفقهاء: مالك، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، إلا أن مالكاً فرَّق بين خروجه ليلاً ونهاراً، فجعله مفقوداً إذا خرج ليلاً دون النهار.

ووجه هذا القول قول الله تعالى: "ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا"، وفي حبسها عليه في هذه الحال إضرار وعدوان.

وروى عبد الرحمن بن أبي ليلى أن امرأة أتت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقالت: إن زوجي خرج إلى مسجد أهله وفقد؛ فأمرها عمر أن تتربص أربع سنين، فتربصت، ثم عادت، فقال لها: اعتدي أربعة أشهر وعشراً؛ ففعلت ثم عادت، فقالت: قد حللت للأزواج؛ فتزوجت، فعاد زوجها فأتى عمر، فقال: زوجتَ امرأتي؟! فقال: وما ذاك؟ فقال: غبتُ أربع سنين فزوجتها؛ فقال: يغيب أحدُكم أربع سنين في غير غزاة ولا تجارة، ثم يأتيني فيقول: زوجتَ امرأتي؟! فقال: خرجتُ إلى مسجد أهلي فاستلبني الجن، فمكثت معهم فغزاهم جن من المسلمين، فوجدوني معهم في الأسر، فقالوا: ما دينك؟ قلت: الإسلام؛ فخيروني بين أن أكون معهم وبين الرجوع إلى أهلي، فاخترت الرجوع إلى أهلي، فسلموني إلى قوم، فكنت أسمع بالليل كلام الرجال وأرى بالنهار مثل الغبار، فأسير في أثره حتى هبطت عندكم؛ فخيَّره عمر بين أن يأخذ زوجته وبين أن يأخذ مهرها.

وروى عاصم الأحول عن عثمان قال: أتت امرأة عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: استهوت الجن زوجها؛ فأمرها أن تتربص أربع سنين، ثم أمر ولي الذي استهوته الجن أن يطلقها، ثم أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشراً، وهذه قضية انتشرت في الصحابة، وحُكم بها عن رأي الجماعة، فكانت حجة، ولأن الفسخ لما استحق بالعُنَّة، وهو فقد الاستمتاع مع القدرة على النفقة، واستحق بالإعسار وهو فقد النفقة مع القدرة على الاستمتاع، فلأن تستحق بغيبة المفقود، وهو جامع بين فقد الاستمتاع وفقد النفقة أولى.

والقول الثاني: أنها باقية على الزوجية، محبوسة على قدوم الزوج، وإن طالت غيبته ما لم يأتها يقين موته، وهو قوله – أي الشافعي – في الجديد، وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب، ومن الفقهاء أبوحنيفة والعراقيون، ووجهه ما رواه سوار بن مصعب عن محمد بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها الخبر"، ذكره الدارقطني في سننه.

وروى ابن عباس مثل ذلك، وهو نص إن ثبت).

ولم يثبت.

خامساً: عدة كل فرقة في الحياة

عدة كل فرقة بين زوجين عدة الطلاق، سواء كان سبب الفرقة:

1. خُلع.

2. أولعان.

3. أورضاع.

4. أوفسخ بعيب، أوإعسار، أوإعتاق، أواختلاف دين.

5. أوزنا.

6. أوشبهة.

هذا مذهب العامة من أهل العلم، إلا بعض الخلاف في بعضها.

قال ابن قدامة رحمه الله: (وكل فرقة بين زوجين، فعدتها عدة الطلاق، سواء كانت بخُلع، أولعان، أورضاع، أوفسخ بعيب، أوإعسار، أوإعتاق، اواختلاف دين، أوغيره، في قول أكثر أهل العلم، وروي عن ابن عباس أن عدة المُلاعنة تسعة أشهر، وأبى ذلك سائر أهل العلم، وقالوا: عدتها عدة الطلاق، لأنها مفارقة في الحياة، فأشبهت المطلقة، وأكثر أهل العلم يقولون: عدة المختلعة عدة المطلقة، منهم سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، وعروة، وسليمان بن يسار، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والشعبي، والنخعي، والزهري، وقتادة، وخِلاس بن عمرو، وأبوعياض، ومالك، والليث، والأوزاعي، والشافعي.

وروي عن عثمان بن عفان، وابن عمر، وابن عباس، وأبان بن عثمان، وإسحاق، وابن المنذر: أن عدة المختلعة حيضة، ورواه ابن القاسم عن أحمد، لما روى ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة، رواه النسائي، وعن رُبَيِّع بنت مُعَوِّذ مثل ذلك، وأن عثمان قضى به، رواه النسائي وابن ماجة.

ولنا قول الله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"، ولأنها فرقة بعد الدخول في الحياة، فكانت ثلاثة قروء كغير الخلع.

إلى أن قال:

 والموطوءة بشبهة تعتد عدة المطلقة، وكذلك الموطوءة في نكاح فاسد، وبهذا قال الشافعي.

والمزني بها، كالموطوءة بشبهة في العدة، وبهذا قال الحسن والنخعي، وعن أحمد رواية أخرى، أنها تستبرأ بحيضة، ذكرها ابن أبي موسى، وهذا قول مالك، وروي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: لا عدة عليها، وهو قول الثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، لأن العدة لحفظ النسب).

سادساً: عدة الذمية

تعتد الذمية إذا طلقت أومات عنها زوجها، وعدتها كعدة المسلمة في أرجح قولي العلماء، وقال مالك: تعتد من الوفاة بحيضة.

تداخل العدد

في بعض الأحيان قد تتداخل العدد، فقبل أن تنقضي عدة المطلقة الرجعية قد يموت الزوج، فإن بقي على عدتها يوم أوساعة استأنفت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، وورثت، وكذلك ترث لو ماتت المعتدة قبل انقضاء عدتها ولو بساعة.

أما البائن بينونة كبرى إذا مات من طلقها ولم تنقض عدتها، أتمت عدتها ولا عدة وفاة عليها.

قال ابن قدامة: (وإذا مات زوج الرجعية، استأنفت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً بلا خلاف؛ وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك، وذلك أن الرجعية زوجة، يلحقها طلاقه، وينالها ميراثه، فاعتدت للوفاة، كغير المطلقة، وإن مات مطلق البائن في عدتها، بنت على عدة الطلاق، إلا أن يطلقها في مرض موته فإنها تعتد أطول الأجلين من عدة الوفاة أوثلاثة قروء، نص على هذا أحمد، وبه قال الثوري، وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن؛ وقال مالك، والشافعي، وأبوعبيد، وأبوثور، وابن المنذر: تبني على عدة الطلاق، لأنه مات وليست زوجة له، لأنها بائن من النكاح، فلا تكون منكوحة؛ ولنا أنها وارثة له، فيجب عليها عدة الوفاة، كالرجعية، وتلزمها عدة الطلاق لما ذكروه في دليلهم، وإن مات المريض المطلق بعد انقضاء عدتها بالحيض، أوبالشهور، أوبوضع الحمل، أوكان طلاقه قبل الدخول، فليس عليها عدة لموته، وقال القاضي: عليهن عدة الوفاة، إذا قلنا يرثنه).

وقال القرطبي: (أجمع العلماء على أن من طلق زوجته طلاقاً يملك رجعتها، ثم توفى قبل انقضاء العدة أن عليها عدة الوفاة وترثه، واختلفوا في عدة المطلقة ثلاثاً في المرض، فقالت طائفة: تعتد عدة الطلاق، هذا قول مالك، والشافعي، ويعقوب، وأبي عبيد، وأبي ثور، قال ابن المنذر: وبه نقول، لأن الله تعالى جعل عدة المطلقات الأقراء، وقد أجمعوا على أن المطلقة ثلاثاً لو ماتت لم يرثها المطلق، وذلك لأنها غير زوجة، فإذا كانت غير زوجة فهو غير زوج؛ قال الثوري: تعتد بأقصى العدتين، وقال النعمان ومحمد: عليها أربعة أشهر وعشراً، تستكمل في ذلك حيض).

متى تبدأ عدة الطلاق والوفاة؟

في بعض الأحيان قد لا تعلم المطلقة بطلاقها، ولا المتوفى عنها زوجها بموته إلا بعد حين، فمتى تبدأ العدة، من ساعة الطلاق والوفاة، أم من ساعة العلم بذلك ولو إلى حين؟ قولان للعلماء:

1. تبدأ من ساعة الطلاق والوفاة

2. تبدأ من ساعة العلم بذلك.

قال القرطبي: (واختلفوا في المرأة يبلغها وفاة زوجها أوطلاقه، فقالت طائفة: العدة في الطلاق والوفاة من يوم يموت أويطلق، هذا قول ابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وبه قال مسروق، وعطاء، وجماعةمن التابعين، وإليه ذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، والثوري، وأبوثور، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، وفيه قول ثانٍ، وهو أن عدتها من يوم يبلغها الخبر، وروي هذا الخبر عن علي، وبه قال الحسن البصري، وقتادة، وعطاء الخرساني، وجُـلاس بن عمرو، وقـال سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز: إن قامت بينة فعدتها من يوم مات أوطلق، وإن لم تكن بينة فمن يوم يأتيها الخبر، والصحيح الأول، لأن الله تعالى علق العدة بالوفاة أوالطلاق، ولأنها لو علمت بموته فتركت الإحداد انقضت العدة، فإذا تركته مع عدم العلم فهو أهون).

النفقة والسكنى للمعتدة من طلاق أووفاة

الحديث عن النفقة والسكنى للمعتدة من طلاق أووفاة أوفسخ، فيه تفصيل بالنسبة للرجعية، والبائن، والمتوفى عنها زوجها من ناحية، وبين الحامل وغير الحامل من ناحية أخرى، وإليك تفصيل ذلك:

أولاً: المطلقة رجعياً

هذه حكمها حكم الزوجة غير المطلقة في كل شيء، في السكنى، والنفقة، وغير ذلك، ولهذا لا يجوز لها أن تخرج من بيت زوجها إلا بعد انقضاء العدة، وما تفعله كثير من النساء سيما عندنا في السودان من الخروج مباشرة بعد طلاقها، وذهابها إلى بيت والديها أوأهلها ليس من السنة ولا من الدين، ولا يعين على الرجعة والوئام، وإنما يؤدي إلى توسيع دائرة الخصومة والنزاع، ويقلل من فرص الرجعة، فلا يحل للرجعية أن تخرج من بيت طليقها إلا بإذنه.

فعلى النساء أن يتقين الله في أنفسهن، ولا تأخذهن العزة بالإثم، ويتصرفن بردود الأفعال.

فالمطلقة الرجعية نفقتها، وكسوتها، وسكناها واجبة على مطلقها، لا يحق له أن ينقص مما كان ينفقه عليه قبل الطلاق شيئاً.

ثانياً: البائن بينونة كبرى

البائن بينونة كبرى إما أن تكون ذات حمل فلها النفقة والسكنى حتى ولو كان حملها من وطء شبهة أونكاح فاسد، من أجل حملها، لقوله عز وجل: "وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن".

وإما أن تكون غير حامل، فهذه لا نفقة لها ولا سكنى، ومن أهل العلم من قال لها النفقة دون السكنى، وهم المالكية والشافعية، ومنهم من قال لها السكنى والنفقة وهم الأحناف، والقول الأول هو الراجح، وهو ما ذهب إليه أحمد وإسحاق.

ثالثاً: المتوفى عنها زوجها

لا نفقة ولا سكنى لها ولو كانت حاملاً من مال زوجها، إلا إذا تبرع الوارث، أوأنفق عليها من ميراثها أوميراث ما في بطنها.

قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: "أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم": (قال أشهب عن مالك: يخرج عنها إذا طلقها ويتركها في المنزل، لقوله تعالى: "أسكنوهن"، فلو كان معها ما قال: "أسكنوهن"، وقال ابن نافع: قال مالك في قول الله تعالى: "أسكنوهن من حيث سكنتم"، يعني المطلقات اللائي بِنَّ من أزواجهن، فلا رجعة لهم عليهن وليست حاملاً، فلها السكنى، ولا نفقة لها ولا كسوة، لأنها بائن منه، لا يتوارثان، ولا رجعة له عليها، وإن كانت حاملاً فلها النفقة والكسوة والمسكن حتى تنقضي عدتها، فأما ما لم تبن منهن فإنهن نساؤهن يتوارثون، ولا يخرجن إلا أن يأذن لهن أزواجهن ما كن في عدتهن، ولم يؤمروا بالسكنى لهن لأن ذلك لازم لأزواجهن مع نفقتهن وكسوتهن، حوامل كن أوغير حوامل، وإنما أمر الله بالسكنى للائي بنَّ عن أزواجهن مع نفقتهن.

إلى أن قال:

اختلف العلماء في المطلقة ثلاثاً على ثلاثة أقوال، فمذهب مالك والشافعي: أن لها السكنى ولا نفقة لها، ومذهب أبي حنيفة وأصحابه أن لها السكنى والنفقة، ومذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور: أن لا نفقة لها ولا سكنى، على حديث فاطمة بنت قيس، قالت: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أخو زوجي، فقلت: إن زوجي طلقني، وإن هذا يزعم أن ليس لي سكنى ولا نفقة؟ قال: "بل لك السكنى ولك النفقة"؛ قال: زوجها طلقها ثلاثاً؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة"، فلما قدمت الكوفة طلبني الأسود بن يزيد ليسألني عن ذلك، وإن أصحاب عبد الله يقولون: إن لها السكنى والنفقة؛ خرجه الدارقطني، ولفظ مسلم عنها: "أنه طلقها زوجها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنفق عليها نفقة دون، فلما رأت ذلك قالت: والله لأعلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لي نفقة أخذتُ الذي يصلحني، وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ شيئاً؛ قالت: فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا نفقة لك ولا سكنى"، وذكر الدارقطني عن الأسود قال: قال عمر لما بلغه قول فاطمة بنت قيس: لا نجيز في المسلمين قول امرأة، وكان يجعل للمطلقة ثلاثاً السكنى والنفقة، وعن الشعبي قال: لقيني الأسود بن يزيد، فقال: يا شعبي، اتق الله وارجع عن حديث فاطمة بنت قيس، فإن عمر كان يجعل لها السكنى والنفقة، قلت: لا أرجع عن شيء حدثتني به فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قلت: ما أحسن هذا).

وقال صاحب نيل المآرب الحنبلي في كتاب النفقات: (وكذا رجعية في عدتها: فنفقتها، وكسوتها، وسكناها كزوجة، فأما البائن بفسخ أوطلاق بلا حمل فلا نفقة لها، فإن كانت البائن حاملاً وجبت نفقتها للحمل نفسه لا لها من أجله، فتجب بوجود الحمل ولو من وطء شبهة، أونكاح فاسد، للحوق نسبه فيهما، وتسقط بعدمه، فمن أنفق يظنها حاملاً، فبانت حائلاً رجع، ومن ترك الإنفاق يظنها حائلاً، فبانت حاملاً لزمه ما مضى، ولو قلنا: إن النفقة للحمل، وإنها تسقط بمضي الزمان، وأي مبانة ادعت حملاً وجب الإنفاق ثلاثة أشهر، فإن مضت ولم يبن رجع، وبناء على أن النفقة للحمل فتجب لناشز حامل.

إلى أن قال:

ولا نفقة ولا سكنى لمتوفى عنها – ولو حاملاً – من تركة، لانتقالها عن الزوج إلى الورثة، ولكن نفقة الحامل من حصة الحمل من التركة إن كانت، وإلا فعلى وارثه الموسر).

وقال القرطبي: (إذا كان الزوج يملك رقبة المسكن فإن للزوجة العدة فيه، وعليه أكثر الفقهاء: مالك، وأبوحنيفة، والشافعي، وأحمد، وغيرهم لحديث الفريعة، وهل يجوز بيع الدار إذا كانت ملكاً للمتوفى، وأراد ذلك الورثة؟

فالذي عليه جمهور أصحابنا أن ذلك جائز، ويشترط فيه العدة للمرأة، قال ابن القاسم: لأنها أحق بالسكنى من الغرماء، وقال محمد بن الحكم: البيع فاسد، لأنها قد ترتاب فتمتد عدتها).

الخطبة للمعتدة من طلاق أووفاة

يحرم التصريح بخطبة المعتدة من طلاق أووفاة، ويجوز التعريض للبائن والمتوفى عنها زوجها، لقوله تعالى: "ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أوأكننتم في أنفسكم. ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله".

أما الرجعية فلا يجوز التعريض بخطبتها أصلاً، لأنها زوجة حكماً.

ومن تزوجت في عدتها فنكاحها فاسد، وإن كانا عالمين بالتحريم فعليهما الحد، وإن لم يكونا عالمين بالتحريم فيؤدبان ويعزران، وعليها أن تتم عدتها الأولى، ثم تعتد عدة كاملة من نكاحها الفاسد، والله أعلم.

الإحداد على المعتدات أكثر من ثلاثة أيام

أجمع أهل العلم إلا من شذ – الحسن، والشعبي، والحكم بن عتيبة – أن الإحداد يجب على المتوفى عنها زوجها، وأجمعوا أنه لا إحداد على المطلقة الرجعية، واختلفوا في حكم الإحداد على:

1. البائنة.

2. والمختلعة.

3. والملاعنة.

على قولين، أرجحهما عدم وجوبه.

قال الماوردي: (فأما المحتدات فثلاث: معتدة يجب الإحداد عليها، فأما المعتدة التي يجب الإحداد عليها فالمتوفى عنها زوجها، وبوجوب الإحداد عليها قال جميع الفقهاء إلا ما حُكي عن الحسن البصري، والشعبي أن الإحداد غير واجب عليه.

وأما التي لا إحداد عليها فهي الرجعية، لا يجب الإحداد عليها لأنها زوجة، تجري عليها أحكام الزوجات، وفي استحباب الإحداد لها وجهان.

وأما المختلف في وجوب الإحداد عليها فهي المبتوتة، والمختلعة، والملاعنة، فالإحداد مستحب لهن وفي وجوبه قولان ).

 

الإحداد 

الاحداد لغة: الامتناع.

وشرعاً: ألاَّ تقرب المعتدة من الوفاة شيئاً من الزينة لا في بدنها ولا في ثوبها ولا تلبس حلياً.

وينقسم الإحداد إلى قسمين:

1. الاحداد على غير الزوج.

2. الاحداد على الزوج.

أولاً: الاحداد على غير الزوج

حكمه

جائز ورخصة لمن شاءت أن تفعله فعلته، ومن لم ترد فلا شيء عليها.

مدته

ثلاثة أيام فقط.

الدليل على ذلك

نهى الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة أن تحد على أحد كائن من كان فوق ثلاثة أيام إلآَّ على زوج أربعة أشهر وعشراً، وقد تواترت بذلك الاخبار عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم، فعن ابن سيرين رضي الله عنه قال توفي ابن لأم عطية، فلما كان اليوم الثالث دعت بطيب فيه صفرة فتمسحت به، وقالت: نهينا أن نحد أكثر من ثلاثة أيام إلاَّ على زوج؛ وعن زينب بنت أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما جاء نعي أبي سفيان من الشام، دعت ام حبيبة رضي الله عنها بطيب فيه صفرة في اليوم الثالث فمسحت عارضيها وذراعيها، وقالت: إني عن هذا غنية، لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أنْ تحد على ميت فوق ثلاثة إلاَّ على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً؛ ثم دخلت على زينب بنت جحش رضي الله عنها حين توفي أخوها، فدعت بطيب فمست منه، ثم قالت: مالي بالطيب من حاجة، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: " لا يحل لإمرأة.." الحديث.

 من هذه الأحاديث وغيرها يتضح أنه لا يحل ولا يجوز لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تحد على أي ميت، أباً كان، أوأخاً، أوأماً، أكثر من ثلاث، إلآَّ على زوج، فإن فعلت فقد عصت الله وارتكبت حراماً.

ثانياً: الاحداد على الزوج

حكمه

الوجوب، فقد أوجب الإسلام على الزوجة أن تحد على زوجها، وأجمع العلماء على ذلك ولم يخالف في ذلك إلآَّ الحسن البصري، والحكم بن عتيبة كما سنبينه إن شاء الله.

 المدة

مدة احداد الزوجة على زوجها المتوفي هي مدة العدة التي حددها الشرع، وهي أربعة أشهر وعشراً، هذا لغير الحامل، والأمة.

دليل وجوب الاحداد على الزوج

والأدلة هي نفس الأحاديث السابقة التي وردت عند الحديث عن الاحداد على غير الزوج مثل حديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلآَّ على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً"، وكذلك ما روته زينب بنت جحش، وأم عطية، وكلها في صحيح البخاري.

علة الاحداد على الزوج أربعة أشهر وعشراً

لقد منع الإسلام المرأة أن تحد على أحد كائناً من كان أكثر من ثلاثة إلاَّ على زوج أربعة أشهر وعشراً وذلك وفاء لعقد الزوجية؛ لأنه من أشرف العقود، وبراءة للرحم.

قال ابن القيم في زاد المعاد قال شيخنا - يعني ابن تيمية: "والصواب أن يقال أنَّ عدة الوفاة هي حرم لانقضاء النكاح ورعاية لحق الزوجية".

وهذا أكبر دليل على ما للرجال من حقوق نحو نسائهم كما قال صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمراً أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن".

من يرى عدم وجوب الاحداد على الزوج، وحجتهم وردها

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: (وأجمعت الأمة على وجوب الاحداد على المتوفي عنها زوجها إلآَّ ما روي عن الحسن البصري، والحكم بن عتيبة.

أما الحسن فروى حماد بن سلمة عن حميد عنه: أن المطلقة ثلاثاً والمتوفي عنها زوجها: تنكحان، وتمشطان، وتختضبان، وتنتقلان، وتصنعان ما تشاءان.

وأما الحكم فذكر عن شعبة: أن المتوفي عنها زوجها لا تحد، وحجتهم كما ذكر ابن القيم حديث منقطع يروى عن الحكم ابن عتيبة عن عبد الله بن شداد ابن الهاد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لامرأة جعفر بن أبي طالب: "إذا كان ثلاثة أيام فالبسي ما شئت"، وعن الحجاج بن أرطأة عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن شداد ابن الهاد: "أن أسماء بنت عميس استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تبكي على جعفر وهي امرأته - فأذن لها ثلاثة أيام، ثم بعث لها بعد ثلاثة أيام أن تطهري واكتحلي"، قالوا وهذا ناسخ لأحاديث الاحداد لأنه بعدها، فان أم سلمة روت الإحداد إذ أنه صلى الله عليه وسلم أمرها به أثر موت أبي سلمة، ولا خلاف أن موت أبي سلمة كان قبل موت جعفر، والجواب على ذلك أن هذا الحديث منقطع، فان عبد الله بن شداد ابن الهاد لم يسمع رسول الله صلى الله عيه وسلم ولا رآه، فكيف يقوم حديثه على الأحاديث الصحيحة المسندة التي لا مطعن فيها وفي الحديث الثاني الحجاج بن ارطأة ولا يعارض بحديثه أحاديث الأئمة الاثبات الذين هم فرسان الحديث).

الاحداد واجب على كل الزوجات

الاحداد تستوي فيه جميع الزوجات المسلمة، والكافرة، الحرة، والأمة، والصغيرة، والكبيرة؛ هذا هو رأي الجمهور كالشافعي ومالك في المشهور عنه، كما هو مذكور في رسالة ابن أبي يزيد.

قال ابن القيم رحمه الله: (إلآَّ أن أشهب، وابن نافع قالا: لا إحداد على الذمية؛ ورواه أشهب عن مالك، وهو قول أبي حنيفة، ولا إحداد عند أبي حنيفة على الصغيرة.

وحجتهم في عدم وجوب الاحداد على الكافرة أن الاحداد جاء مرتبطاً بالإيمان بالله واليوم الآخر، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد.." الحديث فلا تدخل فيه الكافرة.

ورد ابن القيم رحمه الله على ذلك بقوله: هذا مثل قوله تعالى في لباس الذهب: لا ينبغي هذا للمتقين؛ فلا يدل على أنه ينبغي لغيرهم، وكذلك قوله: "لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعاناً"، فلا يدل على أنه ينبغي لغيرهم أن يكونوا كذلك.

و سبب هذا الخلاف في وجوب إحداد الذمية وعدمه راجع إلى اختلافهم: هل الإحداد هو حق للزوج أم حق لله؟ فالذين يرون أنه حق للزوج يوجبونه، والذين يرون أنه حق لله لا يوجبونه، ويقولون إنها مطالبة أولاً بالإيمان ثم بعد ذلك تؤمر وتنهى).

والصواب والله أعلم أن الاحداد حق للزوج، وإكراماً لعقد الزوجية، وتبرأة للرحم، فالذمية إذن مطالبة به، وينبغي أن تجبر على ذلك، والله أعلم.

ما تمنع منه المحتدة

تمنع المحتدة على زوجها من الآتي:

1. الطيب.

2. الزينة: في البدن، الثوب، والحلي.

1.  الطيب

تمنع المحتدة على زوجها في عدتها عن كل أنواع الطيب، كالمسك، والعنبر، والكافور، والند، والبخور، وماء الورد، والزهر، والياسمين، وعن كل أنواع الروائح الزيتية والغير زيتية.

وكذلك تمنع عن صابون الحمام ذي الرائحة، وكل أنواع الدهانات والكريمات ونحوها، ولا تمنع من استعمال الزيت، والسمن، وما ليس فيه رائحة.

2.  الزينة

كما تمنع أيضاًعن الزينة، والزينة تكون في البدن والثوب والحلي.

أ. في البدن

يحرم على المحتدة على زوجها الخضاب بالحناء أوأن تحمر وجهها، وشفتيها، وغيرهما، وكذلك يحرم عليها النقش والكحـل، ومنعها بعض الفقهاء من الكحـل حتى ولو اضطرت إليه، كما أثر عن ابن حزم.

نقل الإمام ابن القيم رحمه الله عن ابن حزم قوله: (لا تكتحل ولو ذهبت عيناها لا ليلاً ولا نهاراً).

وحجة ابن حزم رحمه الله ما جاء في الصحيحين عن زينب بنت أم سلمة قالت: سمعت أمي أم سلمة تقول: "جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عيناها أفأكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا"، مرة، أومرتين، أوثلاثاً، كل ذلك يقول: "لا"، ثم قال: "إنما هي أربعة أشهر وعشراً، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي البعرة على رأس الحول"، فقالت زينب: كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشاً ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيباً، ولا شيئاً حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة - حماراً، أوشاة، أو طيرا - فتقتض به، فقلما تقتض بشيءٍ إلآَّ مات، ثم تخرج فتعطى بعرة، فترمى بها، ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره"، قال مالك: تقتض: تدلك به جلدها.

وكذلك احتج المانعون للكحل وغيره من أنواع الطيب بما روته أم عطية الأنصارية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاثة أيام، إلآَّ على زوج أربعة أشهر وعشراً، ولا تلبس ثوبا مصبوغاً إلآَّ ثوب عصب، ولا تكتحل، ولاتمس طيباً إلآَّ إذا طهرت نبذة من قسط أوأظفار".     

 وكذلك ذكـر مالك رحمه الله حديثاً يؤيد ما ذهب إليه ابن حزم عن صفية بنت عبيد - زوج عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما: " انها اشتكت عينها وهي حاد على زوجها عبد الله، فلم تكتحل حتي كادت عيناها ترمضان".   

وقال الجمهور كمالك، والشافعي، وأبي حنيفة وغيرهم يجوز للمحتدة الاكتحال ليلاً ثم تمسحه نهاراً إذا اضطرت إليه - أي الاكتحال بِكُحْلِ الإثمد تداوياً لا زينة، وحجتهم في ذلك فتوى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم التي رواها أبو داود عن أم حكيم بنت اسيد عن أمها: "أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينها، فتكتحل بالجلاء، فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة، فسألتها عن كحل الجلاء؟ فقالت: لا تكتحلي به إلآَّ من أمر لابد منه يشتد عليك، فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار".

قالت عند ذلك أم سلمة رضي الله عنها: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوسلمة، وقد جعلت عليَّ صِبْراً، فقال ما هذا يا أم سلمة؟ فقلت: إنما هو صِبْر يا رسول الله ليس فيه طيب؛ فقال: إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلآَّ ليلاً وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشظي بالطيب، ولا الحناء فإنه خضاب؛ قالت، قلت: وبأي شيءٍ امتشط يا رسول الله؟ قال: بالسدر تغلفين به رأسك.

والصواب ما ذهب إليه الجمهور من جواز الاكتحال وما في معناه للمحتدة إن اضطرت لذلك، وأرادت به التداوي ولم ترد به الزينة، فإن الضرورات تبيح المحظورات، فقد أبيح للمضطر أكل الميتة، فإذا اضطرالمرء لأكلها ولم يأكلها حتى مات دخل النار، وأباح الرسول صلى الله عليه وسلم لبس الحرير للزبير ابن العوام لحكة ألمَّت به، وهو كما نعلم حرام على ذكور هذه الأمة، فما بالك باستعمال الكحل لعلاج العينين، وهما حبيبتا كل إنسان، وإذا فقدهما فقد نعمة من أكبر النعم؟

ب. زينة الثياب

نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المحتدة عن لبس الثياب التي فيها زينة، مثل المعصفر، والممشق، ونحوها، فعن أم سلمة مرفوعاً: "المتوفى عنها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشق ولا الحلي، ولا تختضب ولا تكتحل"، والمعصفر يعم المعصفر، والمزعفر، والمصبوغ بالحمرة، والصفرة، والأخضر، والأزرق.

نقل ابن القيم رحمه الله عن الإمام الشافعي قال: (في الثياب زينتان:

1.  جمال الثياب على اللابسين.

2.  وستر العورة.

فالثياب زينة لمن يلبسها، وإنما نهيت المحتدة عن زينة بدنها ولم تنه عن ستر عورتها، فلا بأس أن تلبس كل ثوب من البياض، لأن البياض ليس مزيناً، وكذلك الصوف والوبر، وكل ما ينسج على وجهه، ولم يدخل عليه صبغ من خز وغيره، وكذلك كل صبغ لم يرد به التزيين، بل السواد وما صبغ ليقبح أوليلقى الوسخ عنه، فأما ما كان من زينة أوشيء في ثوب وغيره فلا تلبسه المحتدة، وذلك لكل حرة أوأمة، كبيرة أوصغيرة، مسلمة أوذمية").

ج. الحلي

يحرم على المحتدة لبس الحلي كلها حتى الخاتم.

ما يباح للمحتدة

1. لا تمنع المحتدة من تقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق الشعر المندوب حلقه، ولا من الاغتسال والاستحمام بصابون ليس فيه رائحة، ولا الامتشاط لأنه يراد للتنظيف وليس الزينة، وما في معناها.

2. كذلك يجوز للمحتدة الخروج في قضاء حوائجها نهاراً، لما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: طلقت خالتي ثلاثاً، فخرجت تجذ نخلها، فلقيها رجل فنهاها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "اخرجي فجذي نخلك لعلك أن تتصدقي أوتفعلي خيراً".

3.  إذا كانت المرأة عاملة أوموظفة في الأعمال النسائية أووسط النساء، مثل تعليم بنات جنسها أوفي التطبيب والتمريض لهن، من حقها أن تمنح إجازة، فإن لم تمنح عطلة لذلك لأي سبب، ولم يمكنها أخذ عطلة بغير مرتب، ولم يتعارض ذلك مع عرف أهل بلدها، فإن تعارض فلا، قياساً على السماح لها أن تعمل في جذاذ نخلها ونحوه إن كانت تسكن في ساقيتها أومزرعتها، وإن كان هناك فرق بين هذا وبين خروجها للمكتب أوالمدرسة ونحوها، فلا مانع من خروجها لمثل هذه الأعمال بالنهار في فترة العدة، شريطة أن تكون مستورة وألا تختلط بالرجال الأجانب.

والاختلاط بالأجانب لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، سواء كانت معتدة أوغير معتدة، فقد حرم الإسلام اختلاط النساء بالرجال، وحرم جميع الوسائل التي تؤدي إليه، وسد كل الذرائع التي توصل إليه، قال تعالى آمراً نساء النبي، أمهات المؤمنين، قدوة المؤمنات الصالحات: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً"، وأمر جميع المؤمنين والمؤمنات بغض البصر، فقال عز من قائل: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن"، وأمر جميع النساء بالحجاب، فقال: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً".

وسداً لذريعة الاختلاط كذلك فقد جعل الإسلام القوامة في الرجال، ومنع المرأة منعاً باتاً من تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة أوأن تكون قاضية، وكل ما فيه مسؤوليات عامة، قال صلى الله عليه وسلم عندما سمع أن العجم في بلاد فارس ولوا أمرهم بنت كسرى: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، ولا يصنع هذا الصنيع إلا من لا خلاق لهم، كما فعل الهنادكة "الهندوس" والإنجليز اليوم، ومن تشبه بهم من المسلمين، أعاذنا الله من التشبه بالكفار، الموجب لغضب الجبار، والمؤدي إلى الخلود في دار البوار.

ملحوظة

تتقيد المحتدة في بضع البلاد الإسلامية بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، ولا أثرت عن عَالِم من علماء الإسلام، مثل عدم خروجها من حجرتها عند طلوع الشمس وعند الغروب، وأن تتجه إلى عكس القبلة في هذين الوقتين، وأن لا تنام على سرير، وتمتنع عن أكل أطايب الطعام، وعن تقليم الأظافر، وتسريح الشعر، والاغتسال، ونحو ذلك.

وهذه وغيرها من الأمور المخالفة للسنة وهي من مخلفات الجاهلية الأولى وينبغي الكف عنها.

أين تعتد المتوفى عنها زوجها؟

وهناك أمر هام متعلق بالعدة، وهو أين تعتد؟ هل تعتد في بيت زوجها الذي توفي عنها وهي فيه؟ أم أن لها أن تنتقل إلى غيره؟

جمهور العلماء يوجبون عليها أن تعتد في بيتها الذي توفي عنها زوجها وهي فيه، وهناك من يجوِّز لها الانتقال منه لغيره.

أدلة الذين يوجبون عليها الاعتداد في بيت زوجها

كما ذكرت فإن جمهور العلماء على أن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها الذي توفي عنها زوجها وهي فيه، وحجتهم في ذلك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زينب بنت كعب بن عجرة عن الفريعة بنت مالك، أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما: "أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطريق القدوم لحقهم فقتلوه، فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإنه لم يتركني في مسكن يملكه، ولا نفقة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم؛ فخرجتُ، حتى إذا كنتُ في الحجرة أوفي المسجد دعاني – أوأمر بي- فدُعيت فقال: كيف؟ قالت: فرددتُ عليه القصة التي ذكرتُ من شأن زوجي، قالت: فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله؛ قالت: فاعتددتُ فيه أربعة أشهر وعشراً؛ قالت: فلما كان عثمان رضي الله عنه أرسل إليَّ فسألني عن ذلك فأخبرته، فقضى به واتبعه".

وذكر ابن القيم في زاد المعاد أن ابن عبد البر قال: "هذا حديث مشهور معروف عند علماء الحجاز والعراق".

وبجانب حديث الفريعة هذا هناك آثار كثيرة تؤيد ما ذهب إليه الجمهور أوردها ابن القيم في كتابه زاد المعاد، نذكر طرفاً منها:

  • قال وكيع حدثنا الثوري عن منصور عن مجاهد عن سعيد بن المسيب: "أن عمر بن الخطاب ردَّ نسوة من ذي الحليفة حاجات أومعتمرات توفي عنهن أزواجهن".

  • قال عبد الــرازق عن مسيكة: "أن امــرأة قد توفي عنها زوجها زارت أهلها فضربها الطلق، فأتوا عثمان فقال: احملوها إلى بيتها وهي تطلق".

  • روى عبد الرزاق عن ابن عمر: "أنه كانت له بنت تعتد من وفاة زوجها، وكانت تأتيهم بالنهار فتتحدث إليهم، فإذا كان الليل يأمرها أن ترجع إلى بيتها".

  • وروى ابن أبي شيبة عن ثوبان: "أن عمر رخص للمتوفى عنها أن تأتي أهلها بياض يومها".

  • وروى عبد الرزاق عن مجاهد قال: "كان عمر وعثمان – رضي الله عنهما – يرجعانهن حاجات ومعتمرات من الجحفة وذي الحليفة".

  • وذكر عبد الرزاق أيضاً عن علقمة قال: "سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن نساء من همدان نعي إليهن أزواجهن؟ فقلن: إنا نستوحش؛ فقال ابن مسعود: تجتمعن بالنهار، ثم ترجع كل امرأة منكن إلى بيتها باليل".

  • وذكر الحجاج بن منهال قال: حدثنا أبو عوانة عن منصور عن إبراهيم: "أن امرأة بعثت إلى أم سلمة رضي الله عنها أم المؤمنين: أن أبي مريض وأنا في العدة، أفآتيه فأمرضه؟ فقالت أم سلمة: نعم، ولكن بيتي أحد طرفي الليل في بيتك".

والآثار في هذا المعنى كثيرة جداً، ونكتفي بهذا القدر، وكما قلت فإن هذا هو قول جمهور العلماء كما بينه ابن القيم في زاد المعـاد: أحمـد، ومالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابهم، والأوزاعي، وأبي عبيدة، وإسحاق.

وقال ابن القيم: (قال ابن عبد البر: وبه تقول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز، والشام، والعراق، ومصر، وحجة هؤلاء حديث الفريعة بنت مالك، وقد تلقاه عثمان بالقبول، وقضى به بحضرة المهاجرين والأنصار، وتلقاه أهل المدينة، والشام، والعراق، ومصر بالقبول).

من يجوَِّز لها الانتقال عن بيت زوجها الذي توفي عنها وهي فيه، وحجتهم

وروي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما أنه يجوز للمتوفى عنها زوجها أن تعتد أنى شاءت، واحتجوا بأمرين هما كما ذكرهما ابن القيم في زاد المعاد:

1. أن الله عز وجل أمر المتوفى عنها زوجها أن تعتد أربعة أشهر وعشراً، ولم يأمرها بمكان معين.

2. وبما رواه أبو داود قال عطاء قال ابن عباس: "نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها، فتعتد حيث شاءت"، والآية هي قوله تعالى: "فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم"، قال عطاء: إن شاءت خرجت، لقوله: "فإن خرجن فلا جناح.." الآية.

3. وكذلك روى عبد الرزاق عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: "أنها كانت تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها، وخرجت بأختها أم كلثوم حين قتل طلحة بن عبيد الله في الفتنة إلى مكة المكرمة في عمرة".

والصواب والله أعلم ما ذهب إليه جمهور هذه الأمة سلفاً وخلفاً – من أنها يجب عليها أن تعتد في المنزل الذي توفي عنها زوجها وهي فيه، لا تخرج منه إلا لضرورة – وذلك لورود هذه السنة الصريحة الصحيحة – أعني حديث الفريعة – التي تلقاها أكابر الصحابة بالقبول، ولما في ذلك من الوفاء لعقد الزوجيـة الذي شرعت العدة من أجله، وللزوج، فاعتدادهـا في بيته أكبر دليـل على وفائها له.

هذا كله إذا لم يكن هناك مانع من بقائها فيه، مثل منع الورثة لها من السكنى فيه، أوطلبوا منها أن تدفع لهم أجراً، أوكان البيت مؤجراً فطلب صاحبه زيادة الأجرة، ويمكنها أن تسكن مع أهلها، أوكان زوجها موظفاً يسكن في بيت حكومي، وطلب منها أن تخلي البيت، أوكان زوجها يعمل خارج بلده، وما شاكل ذلك، فلا حرج عليها أن تنتقل منه والأمر هكذا، أما بدون ضرورة فلا تخرج.

تنبيه

لا يجوز لمعتدة من طلاق أووفاة ونحوهما أن تخرج إلى حج أوعمرة، ولو كانت حجة الإسلام وعمرته، كبيرة كانت أم صغيرة، ولو كانت بمكة أومسافرة منها إلى بلدها؛ وإن كانت معتكفة في مسجد وتوفي زوجها قطعت اعتكافها وخرجت لتعتد في بيت زوجها، وقال مالك: لا تخرج إلا بعد قضاء اعتكافها؛ والقول الأول أرجح، والله أعلم

 

لقد صاغ الإمام القحطاني رحمه الله أحكام عدد النساء شعراً، فقال:

         لا تنكحن محــدة في  عـــدة          فنكاحهــا وزناؤهــا  شبهان

         عِدَدُ النساء لها فرائــض أربـع          لكن يضـم جميعهــا  أصلان

         تطليـق زوج داخــل أو مـوته          قبل الدخـــول وبعـده سيان

         وحـدودهن على ثلاثـة أقــرؤٍ          أوأشهــر وكلاهمــا جسران

         وكذاك عدة من  توفي  زوجــها          سبعـون يوماً بعدهــا شهران      

         عدد الحوامـل من طلاق أو فنـا          وضع الأجنة صـارخـاً أوفاني

         وكذاك حكم السقط في إسقــاطه          حكـم التمام كلاهمــا وضعان

         من لم تحض أومن تقلص حيضها          قد  صح  في كلتيهمــا العَدَدَان

         كلتاهما تبقى ثلاثــة أشهـــر          حكماهما  في النـص مستـويان

         عِدَدُ الجوار من الطـلاق بحيضة          ومن الوفاة الخمـس والشهـران

         فبطلقتين تبين عن زوج لهـــا           لا ردَّ إلا بعــــد زوج ثـان

         فكذا الحرائر فالثلاث تبينهـــا           فيحـــــل تلك وهذه زوجان

 

المراجع

  • أحكام الجنائز للأمين الحاج.

  • أعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم الجوزية.

  • الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.

  • الحاوي الكبير للماوردي.

  • زاد المعاد في هدى خير العباد لابن القيم.

  • مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.

  • الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان.

  • المغني لابن قدامة.

  • نونية القحطاني لأبي محمد عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني.

  • نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب، ومعه الاختيارات الجلية للشيخ البسام.

 

 

[ رجوع ]




         

contact us                         advertise with us                                     copy right © 2003-2004   NORELISLAM.TK   

the site is developed and designed by

HOSAM DOIDAR